للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا أدل على عظمة حفظه، وقوة ذاكرته من مصنفاته العظيمة ومؤلفاته الجليلة، التي لم يعتمد في تصنيف معظمها -إن لم تكن كلها- إلا على حفظه وذاكرته، وهذه حقيقة تبهر العقول وتدهش الأذهان، قال ابن عبدالهادي (١) -رحمه الله-: «وله من المؤلفات والفتاوى والقواعد والأجوبة والرسائل والتعاليق ما لا ينحصر ولا ينضبط، ولا أعلم أحداً من المتقدمين ولا من المتأخرين جمع مثل ما جمع، ولا صنف نحو ما صنف، ولا قريبا من ذلك؛ مع أن تصانيفه كان يكتبها من حفظه، وكتب كثيرًا منها في الحبس وليس عنده ما يحتاج إليه، ويراجعه من الكتب» (٢).

ثالثاً: جلده في العلم والتعليم:

أما جلده في العلم فقد كان شيخ الإسلام -رحمه الله- محباً للقراءة والحفظ والمذاكرة، شغوفاً بالعلم، لا تكاد نفسه تشبع منه، ولا تروى من مطالعته، قال الصفدي: «وكان من صغره حريصا على الطلب، مجدًا على التحصيل والدأب، ولا يؤثر على الاشتغال لذة، ولا يرى أن تضيع لحظة منه في البطالة فذة، يذهل عن نفسه ويغيب في لذة العلم على حسه، لا يطلب أكلاً إلا إذا حضر لديه، ولا يرتاح إلى طعام ولا شراب في أبرديه (٣)» (٤).

ومن جميل ما يذكر في بيان شغفه رحمه الله بالعلم وتحصيله، وجلده عليه وصبره وتشميره، تلك القصة التي حكاها ابن ناصر الدين الدمشقي (٥) -رحمه الله- فقال: «ومن


(١) محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي، إمام حافظ تتلمذ على يد شيخ الإسلام ابن تيمية، وكان ماهراً في الحديث والعلل والعربية، له مصنفات منها: "الصارم المنكي"، "العقود الدرية" وغيرها، (ت:٧٤٤). انظر: الدرر الكامنة (١/ ص ٤٥٦) وشذرات الذهب (٦/ ١٤١).
(٢) مختصر طبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي ضمن الجامع لسيرته (ص: ٢٥٧).
(٣) الأبردين: الفيء والظل أو الغداة والعشي. انظر: النهاية (١/ ١١٤) لسان العرب (٣/ ٨٤).
(٤) أعيان العصر ضمن الجامع لسيرته (ص: ٣٥٠).
(٥) هو محمد بن عبد الله بن محمد القيسي الدمشقي، شمس الدين، الشهير بابن ناصر الدين من فقهاء الشافعية كان حافظ الشام في عصره بغير منازع، قيل: لم يخلف في الشام بعده مثله، توفي مقتولاً في إحدى قرى دمشق (ت: ٨٤٢ هـ). انظر: البدر الطالع (٢/ ١٩٨)، شذرات الذهب (٧/ ٢٤٣).

<<  <   >  >>