للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التوحيد ليس مقتصراً على الرازي فقط، بل هو مشترك بين طوائف المعطلة، مستمد من أقوال الفلاسفة، وحكى هذه المناظرة التي تبين فساد تصورهم لتوحيد الله -عز وجل-، وقلبهم لمفهومه بما يخالف العقول المستقيمة والفطر السليمة واللغة العربية والنصوص الجلية (١).

[نص المناظرة]

قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: «ولهذا خاطبني بعض الأعيان من الفضلاء المتفلسفين وأخذ يقول: إن الفلاسفة يوحدون وأنهم من أعظم الناس توحيدًا ويفضلهم على النصارى في التوحيد.

فبينت له أن الأمر ليس كذلك بل النصارى في التوحيد خير منهم، وأنهم مشركون لا موحدون.

فقلت: الفلاسفة الذين تذكرهم: إما مشركون يوجبون الشرك ويوالون عليه ويعادون، وإما صابئون (٢) يسوغون الشرك ويجوزون عبادة ما سوى الله وكتبهم مشحونة بهذا؛ ولهذا كان أحسن أحوالهم أن يكونوا صابئة أو هم علماء الصابئة، وهل كان نمرود وقومه وفرعون وقومه وغير هؤلاء إلا منهم؟ وهل عبدت الكواكب وبنيت لها الهياكل وأصنامها إلا برأي هؤلاء المتفلسفة؟ بل وهل عبد الصالحون وعكف على قبورهم ومثلت صورهم إلا بآرائهم؟ حتى الذين كانوا متظاهرين


(١) انظر: بيان تلبيس الجهمية (٣/ ٩٤ - ١٤٢).
(٢) قسَّم شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "الرد على المنطقيين" (ص:٢٨٨) الصائبة إلى نوعين: النوع الأول: صائبة حنفاء موحدون أثنى الله عليهم بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢)} [البقرة:٦٢] النوع الثاني: صائبة مشركون: صوروا الأصنام على صور الكواكب ثم عبدوها من دون الله، ولحقتهم هذه التسمية أخذاً من الصبوة وهي الميل، وهؤلاء هم المقصدون هنا. وانظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل (١/ ٣٦)، والملل والنحل (٢/ ٦٣).

<<  <   >  >>