للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالإسلام منهم قد صنفوا في الإشراك بالله وعبادة الكواكب والأصنام، وذكروا ما في هذا الشرك من الفوائد وتحصيل المقاصد، وبالاضطرار يعلم من عرف دين الرسل محمد وغيره أنهم إنما بعثوا بالنهي عن هذا الإشراك، وجميع الرسل بعثوا بذلك كما قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:٣٦]، وقال تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزُّخرُف:٤٥]، وقال {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:٢٥]، وقد اتفق المسلمون على أن دين أهل الكتاب من اليهود والنصارى خير من دين من لا كتاب له من المشركين والصابئين وغيرهم، والعلماء على تنوع أصنافهم من الفقهاء والمفسرين والمتكلمين وأرباب المقالات، وإن اختلفوا في الصابئين فلتنوعهم؛ ولهذا كان للفقهاء فيهم طريقان: أحدهما أن في كونهم من أهل الكتاب قولين للشافعي وأحمد، والطريق الثاني: أنهم صنفان فمن تدين منهم بدين أهل الكتاب كان منهم وإلا فلا. هذا هو المختار عندهم، وأما الشرك الذي في النصارى فإنما ابتدعوه تشبهًا بأولئك فكان فيهم قليل من شرك أولئك، قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ} [التوبة:٣٠] كالذين قالوا الملائكة أولاد الله كما يقوله هؤلاء المتفلسفة الصابئون فإنهم كانوا قبل النصارى.

قلت: وأما التوحيد الذي يذكر عن الفلاسفة من نفي الصفات فهو مثل تسمية المعتزلة لما يقولونه توحيدًا وهذا في التحقيق تعطيل مستلزم للتمثيل والإشراك، وأما النصارى فهم لا يقولون إن ثم إلهين متباينين بل يقولون قولاً متناقضًا حيث يجعلون الثلاثة واحدًا ويجعلون الواحد هو المتحد بالمسيح دون غيره مع عدم إمكان تميز واحد عن غيره وهذا الكفر دون كفر الفلاسفة بكثير وتكلمت في ذلك بكلام بعد عهدي به.

وفساد هذا وتناقضه أعظم حتى لقد قال عبد الله بن المبارك: «إنا لنحكي قول

<<  <   >  >>