للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الوجه الثاني: الجواب على هذه الشبهة]

إن الأمور المستقرة في الفطر، والمغروسة في النفوس، لهي أوضح وأظهر من أن تحتاج إلى دليل أو برهان أو حجة أو بيان، وما هي إلا كما قال الشاعر:

وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل (١)

ولكن البدعة إذا استحكمت في قلب امرئ ما، وتوغلت في أحشائه، جعلتهُ عبداً لها، وأسرتهُ في هواها، وطمست على بصيرته؛ حتى لا يرى حقاً سواها، فتراه يرد الآيات الواضحات والسنن الثابتات، وما حكى الأئمة من نقول وإجماعات، نصرة لبدعته وهواه، بل إن الحال يصل به إلى إنكار الضروريات ومصارعة الفطرة التي خُلق بها، وجبل عليها، ومكابرتها وجحدها، لا لشيء إلا انتصاراً لهواه وبدعته، أو تقليداً لشيخه، أو تعصباً لمذهبه ونحلته.

وما منكرو علو الباري -جلا وعلا- إلا صنف من هذه الأصناف، التي حاربت فطرتها نصرة لمذهبها، ولولا وجود من ينكر علو الباري -سبحانه وتعالى-، وتلبيسهم على الناس بأنواع الشبه لتقرير باطلهم ونصرة مذهبهم، وجحدهم لدليل الفطرة وقدحهم في دلالتها على علو ربهم وخالقهم، لما نازع في ذلك أحد، ولما احتيج مع ذلك لكتاب أو رد، ولكن لما قام سوقهم وانتشرت بدعتهم قام الأئمة الأعلام بالرد عليهم وفضحهم، وبيان مخالفتهم للنصوص والعقول والفطر، وقد كان شيخ الإسلام من أعظم من قام بهذا الأمر حق قيام، فسطر الرسائل والمجلدات، في إبطال هذه السفسطات، التي عارض بها القوم الفطر والضروريات.

وقد أطال شيخ الإسلام وأسهب في بيان ضعف هذا المذهب، ولا يمكن حصر جميع ما ذكره الشيخ رحمه الله في مثل هذا الموضع، ولكن يكفي من ذلك بيان أهم الأدلة التي أوردها والطرق التي سلكها في الرد عليهم وإبطال شبهتهم، ويمكن إجمال طرق رده عليهم في ثلاث مسالك:


(١) البيت لأبي الطيب المتنبي. ديوان المتنبي (ص:٣٤٣).

<<  <   >  >>