للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثالثاً: أن تفسير النصوص الشرعية من الصفات وغيرها، إنما يرجع فيه إلى لغة الذين خوطبوا به، وفهمهم لهذه النصوص، أما أن تحمل على المصطلحات الكلامية والفلسفية المحدثة المبتدعة، فهذا باطل، ومخالف لكون القرآن هدى للناس، وبياناً لكل شيء، وأنه بلسان عربي مبين، ولتنذر به قومك ومن بلغ، قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: «إن الاستدلال بالقرآن إنما يكون على لغة العرب التي أنزل بها، وقد نزل بلغة قريش كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم:٤]، وقال: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:١٩٥]، فليس لأحد أن يحمل ألفاظ القرآن على غير ذلك من عرف عام واصطلاح خاص، بل ولا يحمله إلا على معانٍ عنوها بها، إما أخص من المعنى اللغوي أو أعم، أو مغايراً له، لم يكن له أن يضع القرآن على ما وضعه هو، بل يضع القرآن على مواضعه التي بينها الله لمن خاطبه بالقرآن بلغته، ومتى فعل غير ذلك كان ذلك تحريفاً للكلام عن مواضعه، ومن المعلوم أنه ما من طائفة إلا وقد تصطلح على ألفاظ يتخاطبون بها، كما أن من المتكلمين من يقول: الأحد هو الذي لا ينقسم، وكل جسم منقسم، ويقول: الجسم هو مطلق المتحيز القابل للقسمة، حتى يدخل في ذلك الهواء وغيره، لكن ليس له أن يحمل كلام الله وكلام رسوله إلا على اللغة التي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخاطب بها أمته، وهى لغة العرب عموما ولغة قريش خصوصا» (١).

فلا يجوز أن تكون هذه المصطلحات الحادثة هي المرجع في تفسير نصوص الكتاب والسنة التي نزلت قبل أن تنشأ هذه المصطلحات بدهور، فكيف إذا كانت هذه المصطلحات تصادم المعنى الحق الذي دلت عليه النصوص؟!

الوجه الثاني: بيان فساده عقلاً:

١) أن هذا المعنى الذي ذكروه للواحد إنما هو أمر مقدر في الذهن لا وجود له في الخارج، قال شيخ الإسلام: «فهذا الواحد الذي وصفوه يقول لهم فيه أكثر


(١) المصدر السابق (٣/ ١٩٢ - ١٩٣).

<<  <   >  >>