للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فتبين من هذا كله أن الرازي ومن تبعه قد خلطوا بين مسألتين مختلفتين، ولم يفرقوا بين أن يتكلم المتكلم بما لا معنى له، وبين أن يتكلم بما لا يفهم معناه ظاهراً، وذلك أنه لا قائل بأن الله يجوز عليه أن يتكلم بكلام لا معنى له، وإنما النزاع المشهور هل يجوز أن ينزل الله تعالى ما لا يفهم معناه؟ فالأول يتعلق بالمتكلم، والثاني يتعلق بالسامع، والفرق بينهما ظاهر.

ثالثاً: بيان خطأ نسبة هذا القول إلى الكرامية:

أبطل شيخ الإسلام دعوى مناظره أن هذا القول هو قول الكرامية في كلام الله سبحانه، وبين أن الكرامية لا تقول بمثل هذا القول لا هي ولا غيرها.

وقد بين شيخ الإسلام في غير موضع من كتبه مذهب الكرامية في كلام الله تعالى، وذكر أنهم يعتقدون أن كلام الله حروف وأصوات حادثة قائمة بذات الله سبحانه، ويسمونها صفة (القول). وأما صفة الكلام عندهم فهي صفة قديمة، ومعناها: القدرة على إحداث القول. ففرقوا بين الكلام والقول، وأتوا بقول لم يسبقهم إليه أحد حيث فسروا صفة الكلام بالقدرة، وجعلوا هناك صفة أخرى مختلفة عن الكلام وهي (القول).

وقالوا: قول الله حادث، والقرآن عندهم من هذا الباب فهو قول الله وليس كلام الله، ومع كونه حادثاً فهو قائم بذات الله، بناءً على أصلهم في عدم امتناع قيام الحوادث بذات الله.

ومعنى حادث أي أنه ليس بأزلي؛ بل تكلم الله به بعد أن لم يكن يتكلم، وإن كان قادراً على الكلام.

ويقولون بأن مسمى الكلام حقيقة في اللفظ مجاز في المعاني، بعكس قول الكلابية والأشاعرة الذين يقولون هو حقيقة في المعنى مجاز في اللفظ (١).


(١) انظر لبيان مذهب الكرامية في كلام الله: التسعينية (٣/ ٧٥٤)، النبوات (١/ ٥٨٩)، مجموع الفتاوى (١٢/ ٣١٥)، الفرق بين الفرق (ص:٢١٧ - ٢١٨)، التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين (ص: ١١٤).

<<  <   >  >>