للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسلك الأول: تقرير دلالة الفطرة على علو الله سبحانه وتعالى]

قرر شيخ الإسلام -رحمه الله- دلالة الفطرة على علو الله -عز وجل- من وجوه كثيرة كلها تدل على أن العلم بعلوه جل وعلا أمر بديهي فطري مستقر في النفوس والأفئدة، ويمكن إجمال الوجوه الدالة على ذلك بما يلي:

١) أن الخلق كلهم إذا حزبهم أمر، ووقعت بهم شدة، توجهت قلوبهم لانتظار نزول الفرج من السماء، وذلك لما استقر في أفئدتهم من أن خالقهم -جلا وعلا- فوق خلقه عال على عرشه، منه تتنزل الرحمات، ومن عنده تكشف الكربات، وهذا أمر محسوس معلوم لا ينكره أحد حتى النفاة، فإنهم يجدون ذلك من ضرورة أنفسهم. قال شيخ الإسلام: «وعامة هؤلاء إذا أصابت أحداً منهم ضرورة تلجئه إلى دعاء الله وجد في قلبه معنى يطلب العلو، لا يلتفت يمنة ولا يسرة، ففطرته وضرورته تقر بالعلو، وينكر وجود موجود لا محايث ولا مباين، وعقيدته التي اعتقدها تقليداً أو عادةً أو شبهةً تناقض فطرته وضرورته» (١).

قال ابن عبد البر-رحمه الله-: «ومن الحجة أيضاً في أنه -عز وجل- على العرش فوق السموات السبع أن الموحدين أجمعين من العرب والعجم إذا كربهم أمر أو نزلت بهم شدة رفعوا وجوههم إلى السماء يستغيثون ربهم تبارك وتعالى، وهذا أشهر وأعرف عند الخاصة والعامة من أن يحتاج فيه إلى أكثر من حكايته؛ لأنه اضطرار لم يؤنبهم عليه أحد ولا أنكره عليهم مسلم» (٢).

ومما يوضح ذلك ويبينه تلك القصة التي حكاها شيخ الإسلام في كتبه غير ما مرة (٣) عن أبي جعفر بن أبي علي الحافظ (٤) قال:


(١) درء تعارض العقل والنقل (٦/ ٢٧٢)
(٢) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (٧/ ١٣٤)
(٣) انظر: الاستقامة (١/ ١٦٧) وبيان تلبيس الجهمية (١/ ٥٢) ومجموع الفتاوى (٣/ ٢٢٠) (٤/ ٤٤) ومنهاج السنة (٢/ ٦٤٢ - ٦٤٣).
(٤) أبو جعفر الهمذاني محمد بن أبي علي الحسن بن محمد الحافظ الصدوق، شيخ، صالح، ثقة مأمون، معمر قال ابن السمعاني: ما أعرف أن في عصره أحداً سمع أكثر منه، (ت:٥٣١ هـ). انظر: تاريخ الإسلام (١١/ ٥٥٤) وشذرات الذهب (٤/ ٩٧).

<<  <   >  >>