هذه هي حقيقة تهمة ((الرجعيّة)) وذاك أصلها في منبتها الأوّل.. فهل يقبل العاقل من صاحبها تهمته لصاحبة الحجاب؟!!
وماذا لو أنزلنا حكم ((الرجعيّة)) على الواقع الغربي؟! ماذا ترى هذا المعترض يقول!؟؟
سأضرب مثالين اثنين, أظنّ أنّهما يغنيان عن التفصيل!
المثال الأوّل: انتقلت الأسرة في الغرب في ظلّ الأنظمة ((الرأسماليّة المتوحشّة)) ((capitalisme sauvage)) (١) من نموذج العائلة المتماسكة حيث يتقاسم الوالدان تربية الأبناء, ويربيانهم على مراعاة الأخلاق الفاضلة واحترام النظم العامة التي تخدم مصالح الشعب, إلى شكل الأسرة التي يعمل فيها كلّ من الأبوين لتحصيل أكبر مبلغ من المال دون الاهتمام بتنشئة الأبناء على القيم المحمودة؛ حتّى أصبح الأبناء نهبًا للفساد الإعلامي والجشع التجاري الذي يستثمر سذاجة النشء لتحقيق مبالغ هائلة من الأرباح..
وقد نشأت اليوم تيّارات في الغرب تدعو إلى إصلاح الأنظمة الأسريّة, وإعادة اللحمة القديمة التي كانت تربط أفرادها وتحكم علاقاتها, بتعميق الارتباط بين الزوجين والأبناء, وحماية الأجيال الصاعدة من سموم الإعلام التجاري والقيم الهابطة.. ولا شكّ أنّ هذا التيّار يعتبر من ناحية الاصطلاح, تيّارًا (رجعيًا) ؛ لأنّه طبق التعريف السالف, يدعو إلى العودة إلى أنظمة اجتماعيّة قديمة.. فهل يستحقّ هؤلاء الداعون إلى العودة إلى النظام الأسري القديم الإدانة لمجرّد أنهم على مذهب (رجعي) ؟!! وهل كلّ دعوة للتغيير ومفارقة القديم هي دعوى محمودة؟ وهل كلّ دعوة للعودة إلى القديم هي دعوى مدانة مرذولة؟!!
المثال الثاني: دعا الغرب في مؤتمر السكّان في القاهرة, وفي غيره من المؤتمرات إلى تغيير ما سمّاه ((الشكل التقليدي للأسرة)) .. والمقصود بهذا الشكل التقليدي هو أن يكون الزواج قاصرًا على طرفين: رجل وامرأة.. والشكل الحديث المطلوب, بل والذي تتبنّاه عامة المجتمعات
(١) اصطلاح باللغة الفرنسيّة, وهو مفهوم طوّره عدد من علماء الاجتماع الفرنسيين لوصف واقع المنظومة الرأسماليّة منذ العقد السابع من القرن العشرين, ونقدها.