للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

كم نظرة فتكت في قلب صاحبها *** فتك السهام بلا قوس ولا وتر

والمرء ما دام ذا عين يقلبها *** في أعين الغيد موقوف على الخطر

يسرّ مقلته ما ضر مهجته *** لا مرحبًا بسرور عاد بالضرر

وقال الاخر:

وكنت متى أرسلت طرفك رائدًا *** لقلبك يومًا أتعبتك المناظر

رأيت الذي لا كلّه أنت قادر***عليه ولا عن بعضه أنت صابر

قال الإمام الربّاني ((ابن قيّم الجوزية)) : ((أمر الله تعالى نبيه أن يأمر المؤمنين بغض أبصارهم وحفظ فروجهم، وأن يعلمهم أنه مشاهد لأعمالهم مطلع عليها: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُور} (١) ، ولما كان مبدأ ذلك من قبل البصر؛ جعل الأمر بغضّه مقدمًا على حفظ الفرج، فإنّ كل الحوادث مبدؤها من النظر، كما أن معظم النار من مستصغر الشرر، تكون نظرة.. ثم خطرة.. ثم خطوة.. ثم خطيئة، ولهذا قيل: من حفظ هذه الأربعة أحرز دينه: اللحظات، والخطرات، واللفظات، والخطوات.)) (٢)

إنّه لا يمكننا هنا أن نتحدث بصورة غرّة عن (تحضّر) الرجل الذي يبصر بعينه دون أن تتحرّك كوامن شهوته؛ لأنّ ذلك من قبل الفصل التعسفي للسنن النفسيّة والعصبيّة في الرجل.. وليس معنى كلامي القول بجبريّة الانفعال الجنسي عند الرجال إلى درجة الوقوع في الزنى والاغتصاب, وإنما قصدي أنّ هذا الانفعال هو ردّ فعل عفوي في الجهاز العصبي للرجل, وليس له أن يمنعه من (التنفيس المؤذي) إلاّ بأن يصرّف شهوته في الموضع الحلال, أو أن يكبت دواعي الفتنة بلجام التقوى, وهو ما ليس بمتاح لكلّ الرجال؛ فأبواب الحلال قد غلّقت على البعض, وحبل التقوى قد تفلّت من البعض الآخر..


(١) سورة غافر/ الآية (١٩)
(٢) ابن القيم, الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي, بيروت: دار الكتب العلميّة, ص ١٠٥-١٠٦

<<  <   >  >>