فها هو كتاب " السيرة النبوية " الذي كتبه عبد الملك بن هشام (المتوفى ٢١٨ هـ/ ٨٣٣ م) والموسوعة التي تعد طبقًا لأبحاث زماننا أكمل وأول مؤلف عن السيرة وصلنا حتى اليوم.
ومع أن هناك ثقة يدعمها الاطمئنان بما لدى ابن هشام من قدرة منهجية، إلا أن العديد من الروايات عنده -رغم احتياطه الكامل- لا يمكن أن توضع على محك عِلْمَي الرواية والدراية، هذا بالإضافة إلى أننا نلاحظ ميله إلى القبائل الجنوبية وبعض الأفراد، وهذا إن دل على شىء فإنما يدل على تأثير عامل العصبية القبلية لديه.
أما إمام علم التاريخ في هذا القرن فهو محمد بن جرير الطبري (المتوفى ٣١٠ هـ/ ٩٢٣) ورغم الإجماع على إمامته التاريخية إلا أن من المعروف أنه جمع في كتابه العظيم " تاريخ الرسل والملوك " الروايات المسندة إسنادًا صحيحًا وغيرها من الروايات غير الصحيحة، وقد جمع الروايات الصحيحة والروايات الضعيفة والموضوعة في سياق واحد!! ولم يدرسها أو يحللها أو يكشف ضعفها، وكان من نتيجة ذلك أن أصبح من الصعب على القارىء العادي أن يميز الصحيح من الخطأ فيها.
وقد شاع قول النقاد والمحدثين فيه:" بأنه جامع للروايات أكثر منه مؤرخًا " وهو رأي صحيح إلى حد ما، وربما أدرك هو نفسه ذلك وشعر به!!!
أما كتب أحمد بن يحيى البلاذري (المتوفي ٢٧٩ هـ/ ٨٩٢ م) فتعد من أهم المصادر فيما يتعلق بتدوين تاريخ القرون الأولى، لأنه وضع الروايات العراقية جنبًا إلى جنب مع الروايات الشامية، لكنه لا يعرض التاريخ بصورة مترابطة ومسلسلة، وهو في بعض الأوقات يقبل الروايات الضعيفة.