ووساطة كبار الصحابة لم يكن أمامهم من سبيل سوى العودة، إلا أنهم لم يكونوا ليعودوا دون أن يحققوا مرامهم وهدفهم الخبيث، وفي الطريق قاموا بالعودة بحجة بعض الخطابات المزورة، ويُعلم من الطبري والمصادر الأخرى أن عليًّا ناقش هؤلاء المتمردين، وحاول أن يثنيهم عن عزمهم، إلا أنهم في هذه المرة جاءوا مصممين على تنفيذ مخططهم. فحاصروا المدينة، ولم يكن أهل المدينة وكبار الصحابة على علم بهذه المؤامرة الخطرة، كما لم يكونوا على استعداد لمواجهة هذه المحاصرة، لهذا كانوا جميعًا بلا حول ولا قوة، ولم ينج أحد من أيدي المتمردين إلا ونال الإيذاء، وهكذا جلس الكثير من الناس في بيوتهم لا يبارحونها، ولا شك أن عددًا من الصحابة الكرام وأولادهم قاموا بحماية الخليفة الثالث حماية كاملة ودافعوا عنه.
قام المتمردون أولاً بالإساءة إلى عثمان في المسجد، وأخذوا يلقون عليه بالطوب، لدرجة أنه سقط مغشيًا عليه وهو يخطب في الناس وبعد ذلك قاموا بمحاصرة منزله، فمنعوا عنه الطعام والماء. وقام عدد من الصحابة وأمهات المؤمنين بالمخاطرة بالروح حتى أوصلوا إليه الطعام، وفي النهاية قرر العصاة المتمردون اغتيال الخليفة لأنه رفض طلبهم بالتنازل عن الخلافة، فقاموا بالهجوم على بيته لكنهم لم يتمكنوا من الدخول من البوابة الرئيسية، حيث وجد عدد من الفدائيين يدافعون عن الخليفة، ولهذا تسلقوا الحائط المؤدي من منزله إلى طريق المسجد، وكان من بين هؤلاء محمد بن أبي بكر ومالك بن الأشتر النخعي وسودان بن حمران، وكنانة بن بشر التيمي وغيرهم، وهجموا على الخليفة، بينما كان يتلو القرآن الكريم. وتفجر الدم الطاهر على أوراق المصحف، ونجحت مؤامرة المتآمرين، وانفرط عقد الأمة الإسلامية.
[الفتنة الكبرى:]
يطلق المؤرخون المسلمون على الفترة من بداية المؤامرة ضد الخليفة الثالث