قصة الراهب بُحيرا بطريقة أو بأخرى، حتى يتمكنوا من إثبات أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد تعلم جميع أصول وقوانين الإسلام وفلسفة الدين بأكملها من راهب مسيحي أثناء سفره (وعبوره!!) إلى الشام.
ومن الجدير بالاهتمام أن أكثر المؤرخين المسلمين المعتمدين ونقاد الحديث وعلماء الجرح والتعديل ينفون هذه القصة، ويعتبرونها من حيث أصول الرواية والدراية قصة موضوعة، إلا أن المستشرقين الذين ادّعوا تحليلها ونقدها لا يقولون فقط بصحة هذه القصة، بل يعتبرونها القصة الوحيدة التي تشير إلى نبوءة البعثة النبوية قبل وقوعها بحوالى ٢٨ سنة تقريبًا، وهكذا يجعلون الإسلام في صورة المستفيد من المسيحية في تشكيل الدين!!
ولم تتبادر حقيقة هامة إلى أذهانهم: كيف أن صبيًّا عمره ١٢ سنة لم يتلق أي تعليم نظامي يمكن أن يفهم بعقليته البسيطة الأصول الفلسفية للدين وقواعد فكره العالمية وأصوله المعقدة؟ ثم أليس هناك تضاد ظاهر في هذا القول، فالمسيحية التي راجت آنذاك في الشام ومصر، كم كانت مختلفة عن الإسلام من ناحية العقائد والأصول. بل إن تصور الدين والعقيدة في المسيحية والإسلام تصور مختلف ومنفصل تمامًا كما اعترف بهذا " مونتجمري وات " والمستشرقون الآخرون. وهو ما سنوضحه في بحثنا بعد ذلك.
وعلى كل حال فسواء كانت رواية بحيرا الراهب صحيحة أو غير صحيحة مسندة أو ضعيفة، وسواء اعترف بها علماء المسلمين والمؤرخون أم لم يعترفوا، فإنها رواية صحيحة لدى معظم المستشرقين الذين لجئوا إلى التعصب الديني بدلاً من إعمال الإحساس والشعور التاريخي واستخدام الاستدلال التاريخي وأسلوب البحث الصحيح، مما جعلهم يقررون أن الإسلام مأخوذ من المسيحية.
رسول الله صلى الله عليه وسلم في شبابه:
والواقعة الثانية في جملة الوقائع الهامة التي حدثت قبل البعثة المحمدية كانت