ولهذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعقد معاهدة تعاون وصداقة مع كل قبيلة على حدة، وبعدها وعن طريق معاهدة جماعية -ذكر متنها ابن إسحاق في سيرته الشهيرة- أوجد الرسول بين مسلمي المدينة كلهم وغيرهم من الطبقات الأخرى غير المسلمة وحدة سياسية مشتركة، وتعاونا وانسجما، وهذا الأمر أوجد بدوره انسجامًا واتحادًا سياسيًا بين طبقات المسلمين وغير المسلمين في المدينة كلها.
وقد عرفت هذه المعاهدة في المصادر باسم " صحيفة الرسول " وأطلق عليها المستشرقون اسم " دستور المدينة " وطبقًا لقول " فينسنك " و " وات " وأشباههما من المستشرقين فإن هذه المعاهدة النبوية شملت ٤٧٠ مادة يلقي بعضها الضوء على العلاقات بين المسلمين واليهود كما أن بعضها يتعلق بالروابط بين اليهود والدولة الإسلامية، ففي المادة الأولى والثانية إعلان بأن المسلمين أمة واليهود أمة، وهذا استدلال عجيب جدًا أن يقدم " ولهاوزن " و" مونتجمري وات " وغيرهما باعتبار الدين والمذهب أساس المجتمع الإسلامي ومن ناحية أخرى يعتبرون أن اليهود [وليس فقط اليهود] بل الطبقات الأخرى غير المسلمة أعضاء داخل " الأمة الإسلامية "، وهو الأمر الذي لم تثبت أبدًا صحته بأي شكل من الأشكال خلال التاريخ الإسلامي، ثم يعترف المستشرقون أيضًا أنه طبقًا لدستور المدينة فإن اليهود وغيرهم من غير المسلمين لم يحصلوا على حقوق تتساوى مع حقوق المسلمين. وفي عدة مواد من مواد المعاهدة أُقرت الأصول القديمة التي كانت تتبعها كل قبيلة طبقًا لدستورها القديم، فيما يتعلق بالدية والدم، وتتحمل القبيلة كلها مسئولية أعمالها ومسئولية أعمال أفرادها، وكان ينبغي على جميع الفئات المشتركة في هذه الصحيفة أن تعتبر المدينة حرمًا، وعليها أن تتحمل مسئولية الدفاع عنها، ودفع