الذى اتبعه معها كان قائمًا على العدل والإنصاف، فالقبيلة أو الجماعة التي طلبت الصلح، أجيبت إلى طلبها، ولكن حين كان الأمر يقتضي إقامة وحدة سياسية للجزيرة العربية كلها؛ لأنه بدون هذه الوحدة لا يمكن للدولة الإسلامية أن تبقى، ولا يمكن أن تكتمل الفريضة الإلهية الرامية إلى إعلاء كلمة الله، حينئذ أصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطالب جميع السكان العرب بالموافقة على أحد مطلبين: إما أن يقبلوا الإسلام، ويصبحوا بذلك من مواطنى الدولة الإسلامية بصورة كاملة فيؤدون الفرائض الإسلامية كاملة بما فيها الأحكام التي تخص المال أي الزكاة والصدقات، وإما أن يعترفوا بالتفوق السياسي للدولة الإسلامية إن أرادوا البقاء على دينهم، وعليهم أن يخضعوا لها، ويكون ضمان هذا الوفاء هو دفع الجزية السنوية وفي مقابل دفع الجزية تكون على الدولة الإِسلامية مسئولية حماية أرواحهم وأموالهم وعزتهم وكرامتهم، ويحصلون بذلك على مكانتهم في المجتمع بصفتهم من " أهل الذمة " ويكون لهم حقوقهم وعليهم واجباتهم التي حددها الإسلام، ومن خلال هذه الخلفية، ومن خلال تحليلنا لجميع الغزوات والسرايا النبوية تحليلاً كاملاً نعرف أن المسلمين قد رفعوا السيف في وجوه تلك العناصر التي أثارت الفتنة والفساد أو كانت عاملاً من عوامل إثارة الفتنة والفساد، وكانت تهدف إلى القضاء على الدولة الإسلامية، على أن الدولة الإسلامية قد اتخذت من المصالحة أسلوبًا لها مع جميع الفئات التي كانت تدعو للمصالحة، وتريد الحياة في أمن وسلام.
وفيما يتعلق بالحصول على الفوائد الاقتصادية وأموال الغنيمة فإن التاريخ يثبت أنها لم تكن هي الدافع، ولم تكن هي المحرك، ولم تكن هي الهدف بل كان كل هذا من ثمار الجهاد الإسلامي، وإذا ما حللنا جميع أموال الغنيمة التي تم الحصول عليها أثناء الغزوات والسرايا النبوية فإن نصيب حياة المسلمين الاقتصادية في المدينة كان اثنين بالمائة (٢%) فقط، أما الباقي فقد كان من نصيب الدولة للحفاظ على الأمن، لقد كان الهدف الأساسي لجميع تلك الغزوات والسرايا هو الجهاد الإِسلامي وهو ما يمكن أن تجد له مئات الأمثلة التي قدمها لنا القرآن الكريم وقدمتها لنا الأحاديث النبوية، وقدمها لنا التاريخ الإسلامي.!!