رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى الإسلام أثناء الحرب والنزال، أو بعد الغزوات. وهناك أمثلة عديدة على ذلك، كما كان يدعو أسرى الحرب إلى الإسلام، وقد تأثر الكثير بحسن سلوك رسول الله ودعوته، فأعلنوا إسلامهم. كم دخل من أناس في الإسلام في فتح مكة، وفي غزوة حنين والطائف!! لقد أسلمت جميع القبائل الجنوبية الشرقية عن طريق الدعوة والتبليغ، وفي عام الوفود، حين قدم ممثلو القبائل من كل أركان الجزيرة العربية، ليعلنوا إسلامهم، وليصبحوا لا مسلمين فقط، بل مبلغين لدين الله، يدعون قبائلهم لدخول الإسلام. وطبقًا لإرشادات رسول الله كان جميع ولاة الحكومة الإسلامية، وقضاتها وعمالها وأعضائها أساسًا من المبلغين والمعلمين، وكان هذا أول فرض واجب على هؤلاء الولاة والحكام جميعًا.
والخلاصة أن النظام النبوي بأكمله سواء كان سياسيًا أو عسكريًا، اجتماعيًا أو اقتصاديًا، كان محوره ومركزه هو الإسلام وتبليغ الإسلام، وكان هذا هو السبب في أنه عند حجة الوداع كان في ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عرفات ١٤٠٠٠٠ [مائة وأربعون ألفًا] مسلمًا، وهناك أضعافهم كانوا داخل بيوتهم مشغولين بذكر الله. والحقيقة أن خطة تبليغ دين الله وطريقة التبليغ قد تغيرت طبقًا للظروف الجديدة في المدينة المنورة. واتهام المستشرقين إنما يقوم فقط على أنهم لا يريدون أن يفهموا سواء عن عمد أو عن غير عمد هذه السياسة النبوية ومتغيراتها. واتهامهم الثاني يقوم على أن أكثر القبائل العربية، بالإضافة إلى يهود ونصارى المناطق المختلفة لم يقبلوا الإسلام ورفضوه، بل لم يعترفوا بالتفوق السياسي للإسلام، ولا شك في أن بعض القبائل في المناطق البعيدة والمناطق الساحلية ومناطق الحدود لم تدخل في الإسلام، ولكن لا يمكن أن يقال إن الإسلام لم يصل إليها أبدًا؛ ففي داخل مثل هذه القبائل جميعها كانت تدور معركة بين الإسلام والكفر، إذْ أسلم بعض بطونها وأسرها فيما كان البعض الآخر لا يزال قائمًا على مذهبه القديم، ولما كان معظم هذه القبائل من