للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المقامات الستة السابقة. وقد اشتهرت أنظمة ومقامات أخرى موسيقية غير هذه درج بعضهم على تعلّمها والقراءة بها، وفي الوقت الحاضر انتشرت وتوسعت حتى أصبحت تُدْرس وتُدَرّس في معاهد موسيقية متخصصة، وتعطى عليها الشهادات والدورات.

وقد مر معنا ذكر ذلك في طيات البحث.

هذه إشارة مدخلية حول هذا الفن بكلام أهل الفن أنفسهم، وحين نتأمل ماهية ما جاء فيه تتجلى لنا الحقائق التالية:

أولًا: الملاحظ أن أصل هذه المقامات ونشأتها واردٌ من أهل الغناء والفن؛ لأنه عندهم أداء يُضبط بطابع موسيقي يمتاز به صوت معين مرتبطًا بآلات اللهو والطرب؛ فهو إذن خارج من رحم الغناء وأهل الغناء ولا علاقة له أصلاً بالقرآن وأهل القرآن.

ثانيًا: أنه فن نشأ متأخرًا، ويقال: إن القراءة بالألحان حدثت وانتشرت في أواخر العصر الأموي، حيث دخل الغناء الفارسي وتشايع بألحانه عند بعض المسلمين، ثم تسامى بألحانه إلى القرآن الكريم، فكان ذلك أول ظهوره. (١)

وقال أبو بكر الطرطوشي (ت: ٥٢٠ هـ) - رحمه الله-: فأما أصحاب الألحان فإنما حدثوا في القرن الرابع منهم محمد بن سعيد صاحب الألحان. (٢).

ثالثًا: أن هذه المقامات في أصلها دخيلة على العرب وعلى اللغة العربية؛ فالملاحظ عليها أنها مقامات أعجمية إلا الأخير منها الذي هو المقام "الحجازي".

رابعًا: أن هذه المقامات هي جمعٌ لألحان الناس في غنائهم، فهي علم لاحق بعد القرآن والقراءة به.

إذا تبيَّن كون هذه المقامات في أصلها قراءة بالألحان اخترعها أهل الغناء والموسيقى والفن، وأنها في الأصل دخيلة على اللغة العربية فهي فارسية المصدر، وأن القراءة بها للقرآن نشأت متأخرًا فلم تكن معروفة عند الصحابة - رضوان الله عليهم-؛ فعلى هذا التصور يأتي الحكم الشرعي في الإقراء بها وتعليمها من خلال الأدلة التالية:

أولاً: أن الشريعة جاءت بتحريم القراءة بالألحان وقد ورد في حديث عوف بن مالك الأشجعي- رضي الله عنه- أن الرسول صلى الله عليه وسلم تخوّف على أمته خصالاً، وذكر منها: "نشء يتخذون القرآن مزامير يقدمونه يغنيهم وإن كان أقلَّ منهم فقهًا". (٣)


(١) - يُنظر: المعجزة الكبرى القرآن، نزوله، كتابته، جمعه، إعجازه، وصوله، علومه، تفسيره، حكم الغناء به، لمحمد أبو زهرة، (٤٤١ - ٤٤٢)، ط: دار الفكر العربي، ١٤١٨ هـ.
(٢) - الحوادث والبدع: ص (٨٥).
(٣) - أخرجه الإمام أحمد في مسنده، حديث رقم: (١٥٤٦٢)، قال الشيخ حمود التويجري: (وقد وقع مصداق هذه الأحاديث) كما في كتابه إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة: (٢/ ١٢١). والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع: (٢١٦).

<<  <   >  >>