[المبحث الثاني: معالجة الألفاظ الواردة في معنى التغني بالقرآن]
وفيه ستة مطالب:
[المطلب الأول: وجوب التحاكم للغة القرآن عند التنازع في المسميات]
والخلاف الذي حُكِىَ عن بعض أهل العلم في قراءة القرآن بالألحان، والذي هم فيه ما بين مجيز ومانع، فالأغلب أنه بُني على فهم معاني الأحاديث التي ورد فيها الحث على التغني بالقرآن والترغيب في ذلك.
وقد بسط الكلام حول هذه المسألة ابن بطال في "شرح البخاري"، وكذلك ابن القيم في "زاد المعاد"، والحافظ ابن رجب الحنبلي في "نزهة الأسماع في مسألة السماع"، وقد ذكروا أدلة المجيزين والمانعين من الفريقين.
فأغلب العلماء قد حكى فيه الإجماع ومنعه منعًا باتًا، والبعض حكى فيه الخلاف فرخص فيه بضوابط.
وممن حكى مثل هذا الحافظ ابن رجب الحنبلي - رحمه الله- حيث يقول:
قراءة القرآن بالألحان، بأصوات الغناء وأوزانه وإيقاعاته، على طريقة أصحاب الموسيقى، فرخص فيه بعض المتقدمين إذا قصد الاستعانة على إيصال معاني القرآن إلى القلوب للتحزين والتشويق والتخويف والترقيق.
وأنكر ذلك أكثر العلماء، ومنهم من حكاه إجماعًا ولم يثبت فيه نزاعًا، منهم أبو عبيد وغيره من الأئمة.
- وهذا هو الذي عليه أهل التحقيق من الأئمة، والذي تؤيده الأدلة العقلية والنقلية، والذي يظهر للباحث وتميل إليه النفس انتصارًا للقرآن وهو الموافق للأدلة ويؤيده إجماع الأئمة-.
ثم يتابع -الحافظ ابن رجب الحنبلي- ويحرِّر القول في المسألة ويقول - رحمه الله-:
وفي الحقيقة هذه الألحان المبتدعة المطربة تهيج الطباع، وتلهي عن تدبّر ما يحصل له من الاستماع حتى يصير التلذذ بمجرد سماع النغمات الموزونة والأصوات المطربة، وذلك يمنع المقصود من تدبر معاني القرآن.
ثم يختم -ابن رجب - هذا التحرير بالقول الذي عليه إجماع أهل العلم الذي حكاه عن أبي عبيد القاسم بن سلَّام الهروي وغيره من الأئمة قائلًا: وإنما وردت السنة بتحسين الصوت بالقرآن، لا بقراءة الألحان، وبينهما بون بعيد (١).
ولقد كثر الاستشهاد بكلام الحافظ ابن رجب- رحمه الله- هذا- في غير ما موضع في
(١) نزهة الأسماع، لابن رجب (ص: ٧٠). نزهة الأسماع في مسألة السماع، المؤلف: عبد الرحمن بن رجب الحنبلي، الناشر: دار طيبة - الرياض، الطبعة الأولى، ١٤٠٧ - ١٩٨٦، تحقيق: وليد عبد الرحمن الفريان، عدد الأجزاء: ١.