[المبحث الأول: قلب المسميات عن حقائقها "سنة إبليسية"]
[المطلب الأول: قدم السبق في تغيير المسميات]
لقد أضحت الكثير من المسميات تسمى بغير اسمها استخفافًا بالعقول للجنوح بها عن المعقول، وليسكت عنها المتلقِّي لها ويتلقاها بالقبول، وليصبح مسماها المعسول هو القول الصحيح المقول، وذلك لما تضفيه تلك المسمياتُ "المعسولة" بمسمياتها اللامعة البراقة المقلوبة، وذلك ليهون على المتلقِّي بشاعتها وحرمتها وينسى عقوبتها
وسوء عاقبتها ولا يحمل هم حوبتها.
ولقد كان للشيطان قدمُ السبق في هذا المضمار، وذلك لأنه كان أول من سن تلك السنة السيئة التي تقلب الحقائق الثابتة بتغير مدلولاتها بألفاظ أُخر- مكرًا وخديعة وكذبًا وتدليسًا- لتتلقاه وتتلقفه منه أولياؤه، ويوحي بها بعضهم لبعض زخرف القول غرورًا، كما قال ربنا:(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ)(الزخرف: ١٢)، ومن أظهر ذلك قلبه لحقيقة الشجرة التي نهى الله الأبوين من قربانها فسمها بغير اسمها، سماها بـ" شجرة الخلد وملك لا يبلى".
[المطلب الثاني: بداية قلب المسميات عن حقائقها كما وردت في القرآن]
لقد ذكر الله لنا في كتابه الكريم قصة أبينا آدم عليه السلام مع عدو الله إبليس، وكان من أظهر مشاهد الصراع بين الحق والباطل في تلك القصة سلاح الوسوسة والإغواء الذي استخدمه عدو الله مع أنبينا عليه السلام، فبعد أن نهاه الله عز وجل عن الأكل من الشجر فوسوس ليه إبليس فأغواه فأكل منها وفي خبر هذا الحدث العظيم قال ربنا الكريم:(فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى)(طه: ١٢٠).
(١) -يُنظر: ((تفسير ابن جرير الطبري)) (١٦/ ١٨٨)، - تفسير الطبري: جامع البيان في تأويل القرآن المؤلف: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: ٣١٠ هـ) تحيق: أحمد محمد شاكر الناشر: مؤسسة الرسالة الطبعة: الأولى، ١٤٢٠ هـ - ٢٠٠٠ م عدد الأجزاء: ٢٤، ((تفسير النسفي)) (٢/ ٣٨٧)، تفسير النسفي (مدارك التنزيل وحقائق التأويل) المؤلف: أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود حافظ الدين النسفي (المتوفى: ٧١٠ هـ) حققه وخرج أحاديثه: يوسف علي بديوي راجعه وقدم له: محيي الدين ديب مستو الناشر: دار الكلم الطيب، بيروت الطبعة: الأولى، ١٤١٩ هـ - ١٩٩٨ م عدد الأجزاء: ٣، ((تفسير القنوجي)) (٨/ ٢٨٦)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (٤/ ١١٠). تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن المؤلف: محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (المتوفى: ١٣٩٣ هـ) الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت - لبنان عام النشر: ١٤١٥ هـ - ١٩٩٥ مـ.