للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله: (قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى).

أي: قال إبليسُ: يا آدَمُ، هل أدلُّك على شَجَرةٍ إن أكَلْتَ منها تُخلَّدْ في الجنَّةِ فلا تمُتْ، ويكُنْ لك مُلكٌ لا يَفنى ولا ينقَطِعُ. (١)

قال ابن القيم (ت: ٧٥١ هـ) - رحمه الله- في "إغاثة اللهفان":

وإنما كذبهما عدو الله، وغرّهما، وخدعهما؛ بأن سمّى تلك الشجرة "شجرة الخلد"، فهذا أول المكر والكيد، ومنه وَرِثَ أتباعه تسمية الأمور المحرمة بالأسماء التي تحبُّ النفوسُ مسمَّياتها، فسمَّوا الخمر أمَّ الأفراح، وسمَّوا أخاها بلُقَيْمة الراحة (٢)، وسمَّوا الربا بالمعاملة، وسمَّوا المُكُوسَ بالحقوق السلطانية، وسمَّوا أقبح الظلم وأفحشه شرع الديوان، وسمَّوا أبلغ الكفر- وهو جحد صفات الرب- تنزيهًا، وسمَّوا مجالس الفسوق مجالس الطَّيبة! فلما سمَّاها "شجرة الخلد" قال: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا كراهة أن تأكلا منها فتخلدا في الجنة ولا تموتا؛ فتكونان مثل الملائكة الذين لا يموتون. (٣).

فكان من سنة إبليس اختيار الاسم الجذاب (شَجَرَةِ الْخُلْدِ) وليزيده تزينًا قال: (وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى) ذلك لينتقل على أقل التقديرات من درجة المنبوذات إلى درجة المقبولات المستساغات كـ (شَجَرَةِ الْخُلْدِ) ثم يزيد التزيين والوسوسة والإغواء حتى يرتقي ويصبح من المستحسنات- (وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى) -.


(١) - يُنظر: ((تفسير يحيى بن سلام)) (١/ ٢٨٤)، ((تفسير ابن جرير)) (١٦/ ١٨٨)، ((تفسير ابن عطية)) (٤/ ٦٧)، ((تفسير ابن كثير)) (٥/ ٣٢١)، تفسير ابن كثير: تفسير القرآن العظيم المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: ٧٧٤ هـ) المحقق: سامي بن محمد سلامة الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع، ط ٢، ١٤٢٠ هـ - ١٩٩٩ م، عدد الأجزاء: ٨.، ((تفسير السعدي)) (ص: ٥١٥)، تفسير ابن سعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان المؤلف: عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي (المتوفى: ١٣٧٦ هـ) المحقق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق الناشر: مؤسسة الرسالة ط ١، ١٤٢٠ هـ -٢٠٠٠ م عدد الأجزاء: ١.، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (٤/ ١١١).
(٢) - لعله يقصد الحشيش.
(٣) إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان: (١/ ١١٢ - ١١٣). إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان المؤلف: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (ت ٧٥١ هـ) المحقق: محمد حامد الفقي الناشر: مكتبة المعارف، الرياض، المملكة العربية السعودية عدد الأجزاء: ٢.

<<  <   >  >>