للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالِاتِّفَاقِ كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحُلُولِ إذَا وُجِدَ السَّبَبُ، وَهُوَ النِّصَابُ فَالنَّذْرُ الْمُعَلَّقُ انْعَقَدَ سَبَبًا عِنْدَهُ فَيَجُوزُ التَّعْجِيلُ (وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ إذَا كَانَتْ مَالِيَّةً) فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - جَوَّزَ تَعْجِيلَ الْكَفَّارَةِ الْمَالِيَّةِ قَبْلَ الْحِنْثِ فَإِنَّ الْيَمِينَ سَبَبٌ لِلْكَفَّارَةِ عِنْدَهُ بِنَاءً عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فَيَثْبُتُ نَفْسُ الْوُجُوبِ بِنَاءً عَلَى السَّبَبِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ وُجُوبُ الْأَدَاءِ عِنْدَ الشَّرْطِ، وَهُوَ الْحِنْثُ (لِأَنَّ الْمَالِيَّ يَحْتَمِلُ الْفَصْلَ بَيْنَ نَفْسِ الْوُجُوبِ، وَوُجُوبِ الْأَدَاءِ كَمَا فِي الثَّمَنِ بِأَنْ يَثْبُتَ الْمَالُ فِي الذِّمَّةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ أَدَاؤُهُ بِخِلَافِ الْبَدَنِيِّ) فَفِي الْكَفَّارَةِ الْمَالِيَّةِ الْفَصْلُ بَيْنَ نَفْسِ الْوُجُوبِ وَوُجُوبِ الْأَدَاءِ ثَابِتٌ كَمَا فِي الثَّمَنِ فَإِنَّ نَفْسَ الْوُجُوبِ بِالشِّرَاءِ، وَوُجُوبَ الْأَدَاءِ بِالْمُطَالَبَةِ فَأَمَّا فِي الْبَدَنِيَّةِ فَلَا يَنْفَكُّ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فَفِي الْمَالِيِّ لَمَّا ثَبَتَ نَفْسُ الْوُجُوبِ بِنَاءً عَلَى السَّبَبِ أَفَادَ صِحَّةَ الْأَدَاءِ، وَفِي الْبَدَنِيِّ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ لَمْ يَصِحَّ الْأَدَاءُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ فَلَا يَنْفَكُّ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فَفِي فَصْلِ الْأَمْرِ يَأْتِي أَنَّ فِي الْعِبَادَةِ الْبَدَنِيَّةِ لَا يَنْفَكُّ نَفْسُ الْوُجُوبِ عَنْ وُجُوبِ الْأَدَاءِ.

(وَعِنْدَنَا لَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا إلَّا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ مَا يَكُونُ طَرِيقًا إلَى الْحُكْمِ، وَقَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى مَا عَهِدْنَا مِنْ الْأَصْلِ) ، وَهُوَ أَنَّا نَعْتَبِرُ الْمَشْرُوطَ

ــ

[التلويح]

بِمَنْزِلَةِ أَنْتِ مِنْ أَنْتِ طَالِقٌ، وَجُزْءُ السَّبَبِ لَا يَكُونُ سَبَبًا الثَّانِي: أَنَّ التَّعْلِيقَ مَانِعٌ لِلْمُعَلَّقِ مِنْ الْوُصُولِ إلَى الْمَحَلِّ، وَالْأَسْبَابُ الشَّرْعِيَّةُ لَا تَصِيرُ أَسْبَابًا قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى الْمَحَلِّ؛ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَمَّا يَكُونُ طَرِيقًا إلَى الشَّيْءِ وَمُفْضِيًا إلَيْهِ، فَكَمَا لَا يَكُونُ شَطْرُ الْبَيْعِ عِلَّةً لِلْبَيْعِ لِعَدَمِ التَّمَامِ كَذَلِكَ بَيْعُ الْحُرِّ لِعَدَمِ الْوُصُولِ إلَى الْمَحَلِّ، وَأُورِدَ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّ الْإِضَافَةَ أَيْضًا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مَانِعَةً مِثْلُ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا، وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّعْلِيقَ يَمِينٌ، وَهِيَ لِتَحْقِيقِ الْبِرِّ فِيهِ إعْدَامُ مُوجَبِ الْمُعَلَّقِ لَا وُجُودُهُ فَلَا يَكُونُ الْمُعَلَّقُ مُفْضِيًا إلَى وُجُودِ الْحُكْمِ بِخِلَافِ الْإِضَافَةِ فَإِنَّهَا لِثُبُوتِ الْحُكْمِ بِالْإِيجَابِ فِي وَقْتِهِ لَا لِمَنْعِ الْحُكْمِ فَيَتَحَقَّقُ السَّبَبُ لِوُجُودِهِ حَقِيقَةً مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ إذْ الزَّمَانُ مِنْ لَوَازِمِ الْوُقُوعِ، وَأُورِدَ عَلَى الثَّانِي أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَصِلْ إلَى الْمَحَلِّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَلْغُوَ كَمَا إذَا قَالَ لِلْأَجْنَبِيَّةِ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَرْجُوَّ الْوُصُولِ بِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَانْحِلَالِ التَّعْلِيقِ جُعِلَ كَلَامًا صَحِيحًا لَهُ عَرْضِيَّةٌ أَنْ يَصِيرَ سَبَبًا كَشَطْرِ الْبَيْعِ حَتَّى لَوْ عُلِّقَ بِشَرْطٍ لَا يُرْجَى الْوُقُوفُ عَلَى وُجُودِهِ لَغَا مِثْلُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(قَوْلُهُ فَيَجُوزُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِالْمِلْكِ) يُشْكِلُ بِمَا رُوِيَ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً فَأَبَوْا أَنْ يُزَوِّجُوهَا إلَّا بِزِيَادَةِ صَدَاقٍ، فَقَالَ إنْ تَزَوَّجْتُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ» فَإِنَّ الْحَدِيثَ مُفَسَّرٌ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُبَيَّنَ نَسْخُهُ أَوْ عَدَمُ صِحَّتِهِ.

(قَوْلُهُ، وَالسَّبَبُ لِلْكَفَّارَةِ هُوَ الْحِنْثُ عِنْدَنَا) لِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>