مَعَ الشَّرْطِ فَلَا يَكُونُ مُوجِبَا لِلْوُقُوعِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْجَزَاءَ بِمَنْزِلَةِ أَنْتِ فِي قَوْلِنَا أَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِلْحُكْمِ بَلْ إنَّمَا يَصِيرُ سَبَبًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ (فَيَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ انْعَقَدَتْ لِلْبِرِّ فَكَيْفَ تَكُونُ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ بَلْ سَبَبُهَا الْحِنْثُ) ؟ لَمَّا لَمْ يَنْعَقِدْ سَبَبًا عِنْدَنَا اخْتَلَفَ الْحُكْمُ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فَيَجُوزُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ بِالْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مُتَحَقِّقٌ عِنْدَ وُجُودِ السَّبَبِ قَطْعًا، وَلَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ النَّذْرِ، وَالْكَفَّارَةِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ التَّعْجِيلَ قَبْلَ السَّبَبِ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ، وَالسَّبَبُ إنَّمَا يَصِيرُ سَبَبًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فِي بَابِ النَّذْرِ، وَالسَّبَبُ لِلْكَفَّارَةِ، هُوَ الْحِنْثُ عِنْدَنَا فَإِنَّ الْيَمِينَ لَمْ تَنْعَقِدْ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّهَا انْعَقَدَتْ لِلْبِرِّ، وَالْكَفَّارَةُ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى تَقْدِيرِ الْحِنْثِ فَلَا يَكُونُ الْيَمِينُ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ بَلْ هِيَ شَرْطٌ لَهَا، وَالْحِنْثُ سَبَبٌ.
(وَفَرْقُهُ بَيْنَ الْمَالِيِّ وَالْبَدَنِيِّ غَيْرُ صَحِيحٍ إذْ الْمَالُ غَيْرُ مَقْصُودٍ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى) ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ هُوَ الْأَدَاءُ فَيَصِيرُ كَالْبَدَنِيَّةِ (وَتَبَيَّنَ الْفَرْقُ) أَيْ عَلَى مَذْهَبِنَا (بَيْنَ الشَّرْطِ، وَبَيْنَ الْأَجَلِ وَشَرْطِ الْخِيَارِ فَإِنَّ هَذَيْنِ دَخَلَا عَلَى الْحُكْمِ أَمَّا الْأَجَلُ فَظَاهِرٌ) فَإِنَّهُ دَاخِلٌ عَلَى
ــ
[التلويح]
أَنَّ الْيَمِينَ انْعَقَدَتْ لِلْبِرِّ، وَوُضِعَتْ لِلْإِفْضَاءِ إلَيْهِ، وَالْكَفَّارَةُ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْبِرِّ فَلَا يَكُونُ الْيَمِينُ مُفْضِيًا إلَيْهَا لِامْتِنَاعِ إفْضَاءِ الشَّيْءِ إلَى مَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَالثَّانِي أَنَّ السَّبَبَ يَجِبُ تَقَرُّرُهُ عِنْدَ وُجُودِ الْمُسَبَّبِ، وَالْيَمِينُ لَا يَبْقَى عِنْدَ وُجُودِ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الْحِنْثِ الَّذِي هُوَ نَقْضٌ لِلْيَمِينِ بَلْ السَّبَبُ هُوَ الْحِنْثُ لِكَوْنِهِ مُفْضِيًا إلَى الْكَفَّارَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جِنَايَةٌ وَهَتْكٌ لَكِنَّهَا لَا تُوجَدُ بِدُونِ الْيَمِينِ فَيَكُونُ شَرْطًا، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: عَلَى الْأَوَّلِ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْضِيَ الْيَمِينُ إلَى الْكَفَّارَةِ بِطَرِيقِ الِانْقِلَابِ وَالْخَلْفِيَّةِ عَنْ الْبِرِّ كَالصَّوْمِ وَالْإِحْرَامِ فَإِنَّهُمَا يَمْنَعَانِ عَنْ ارْتِكَابِ مَحْظُورَيْهِمَا وَبَعْدَ الِارْتِكَابِ يَصِيرَانِ سَبَبَيْنِ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِطَرِيقِ الِانْقِلَابِ؟ وَعَلَى الثَّانِي لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى الْخَلَفُ أَعْنِي الْكَفَّارَةَ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْعِلَّةِ كَالْمَهْرِ يَبْقَى بَعْدَ انْقِطَاعِ النِّكَاحِ بِالطَّلَاقِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ عِلَّةٌ لِإِيجَابِ الْأَصْلِ لَا لِلْبَقَاءِ، وَالْخَلَفُ يَخْلُفُهُ فِي الْبَقَاءِ، وَفِي كَوْنِ سَبَبِ الْكَفَّارَةِ هُوَ الْإِحْرَامُ أَوْ الصَّوْمُ نَظَرٌ بَلْ السَّبَبُ هُوَ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِمَا.
(قَوْلُهُ، وَفَرْقُهُ) أَيْ فَرْقُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَيْنَ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ بِأَنَّهُ يَنْفَصِلُ فِي الْمَالِيَّةِ الْوُجُوبُ عَنْ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فَيَنْعَقِدُ السَّبَبُ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ الْأَدَاءُ بِخِلَافِ الْبَدَنِيَّةِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الْوَاجِبَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعِبَادِ هُوَ الْعِبَادَةُ، وَهُوَ فِعْلٌ يُبَاشِرُهُ الْعَبْدُ بِخِلَافِ هُوَ نَفْسُهُ ابْتِغَاءً لِمَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى فَالْمَالُ لَا يَكُونُ مَقْصُودًا فِي ذَلِكَ بَلْ آلَةً يَتَأَدَّى بِهَا الْوَاجِبُ بِمَنْزِلَةِ مَنَافِعِ الْبَدَنِ فَتَصِيرُ الْحُقُوقُ الْمَالِيَّةُ كَالْبَدَنِيَّةِ فِي أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْوُجُوبِ هُوَ الْأَدَاءُ، وَأَنَّ تَعْلِيقَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ بِالشَّرْطِ يَمْنَعُ تَمَامَ السَّبَبِيَّةِ فِيهِمَا جَمِيعًا، وَإِنَّمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute