كُلُّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ غَيْرُ جَائِزَةٍ فِي حَالٍ إلَّا فِي حَالِ اقْتِرَانِهَا بِالطَّهُورِ فَالْجُمْلَةُ الْإِثْبَاتِيَّةُ قَوْلُنَا كُلُّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ جَائِزَةٌ فِي حَالِ اقْتِرَانِهَا بِالطَّهُورِ فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ: «لَا صَلَاةَ إلَّا بِطُهُورٍ» يَشْكُلُ عَلَيْكُمْ لَا عَلَيْنَا؛ لِأَنَّكُمْ قَدْ ذَكَرْتُمْ فِي فَصْلِ الْعَامِّ أَنَّ النَّكِرَةَ الْمَوْصُوفَةَ عَامَّةٌ لِعُمُومِ الصِّفَةِ وَأَوْرَدْتُمْ لِلْمِثَالِ لَا أُجَالِسُ إلَّا رَجُلًا عَالِمًا، لَهُ أَنْ يُجَالِسَ كُلَّ عَالِمٍ فَقَوْلُهُ:
ــ
[التلويح]
فَوَجَبَ تَأْوِيلُ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْقَوْلَ بِكَوْنِهِ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتًا وَبِالْعَكْسِ لَا يَصِحُّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الصُّوَرِ كَقَوْلِهِ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِطُهُورٍ» عَلَى مَا سَيَأْتِي وَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِكَوْنِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتًا وَبِالْعَكْسِ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ بَلْ هُوَ عَيْنُهُ، وَأَمَّا عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ، فَلَا حُكْمَ عَلَى الْمُسْتَثْنَى أَصْلًا لَا بِالنَّفْيِ، وَلَا بِالْإِثْبَاتِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ جُمْهُورَ الْقَائِلِينَ بِالْمَذْهَبِ الثَّانِي كَابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ قَائِلُونَ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ، وَبِالْعَكْسِ بِمَعْنَى أَنَّهُ أُخْرِجَتْ مِنْ الْعَشَرَةِ ثَلَاثَةٌ ثُمَّ تَعَلَّقَ بِالْعَشَرَةِ الْمُخْرَجِ مِنْهَا الثَّلَاثَةُ الْحُكْمُ بِالثُّبُوتِ وَبِالثَّلَاثَةِ الْحُكْمُ بِعَدَمِ الثُّبُوتِ.
(قَوْلُهُ: وَوَجْهُ الْمَجَازِ) أَيْ: طَرِيقُ هَذَا الْمَجَازِ إطْلَاقُ الْأَخَصِّ عَلَى الْأَعَمِّ، وَالْمَلْزُومِ عَلَى اللَّازِمِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ انْتِفَاءَ حُكْمِ الصَّدْرِ لَازِمٌ لِلْحُكْمِ بِخِلَافِ حُكْمِ الصَّدْرِ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا تَحَقَّقَ الْحُكْمُ بِنَقِيضِ حُكْمِ الصَّدْرِ انْتَفَى حُكْمُ الصَّدْرِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ: «لَا صَلَاةَ إلَّا بِطُهُورٍ» فَإِنَّ حُكْمَ الصَّدْرِ، وَهُوَ عَدَمُ الصِّحَّةِ مُنْتَفٍ عَنْ الصَّلَاةِ بِطُهُورٍ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْحُكْمُ بِنَقِيضِهِ، وَهُوَ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ كُلِّ صَلَاةٍ بِطُهُورٍ فَعَبَّرُوا عَنْ انْتِفَاءِ حُكْمِ الصَّدْرِ بِالْحُكْمِ بِنَقِيضِ حُكْمِ الصَّدْرِ تَعْبِيرًا عَنْ اللَّازِمِ بِالْمَلْزُومِ فَقَالُوا: هُوَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَبِالْعَكْسِ قَالَ فِي التَّقْوِيمِ: إنَّ قَوْلَهُمْ هُوَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَمِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ إطْلَاقٌ عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ مَجَازًا؛ لِأَنَّكَ إذَا قُلْت لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا عَشَرَةً لَمْ يَجِبْ الْعَشَرَةُ كَمَا لَوْ نَفَيْتهَا، وَلَكِنَّ عَدَمَ الْوُجُوبِ عَلَى الْمُقِرِّ لَيْسَ بِنَصٍّ نَافٍ لِلْوُجُوبِ عَلَيْهِ بَلْ لِعَدَمِ دَلِيلِ الْوُجُوبِ.
(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ نَفْيًا أَوْ إثْبَاتًا) أَوْرَدَ دَلِيلَيْنِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ فِي مِثْلِ «لَا صَلَاةَ إلَّا بِطُهُورٍ» لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إثْبَاتًا، وَإِنْ كَانَ مِنْ النَّفْيِ. الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ إثْبَاتًا لَكَانَ مَعْنَاهُ صَلَاةٌ بِطُهُورٍ ثَابِتَةٌ أَيْ: صَحِيحَةٌ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ النَّكِرَةَ الْمَوْصُوفَةَ تَعُمُّ بِعُمُومِ الصِّفَةِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى كُلُّ صَلَاةٍ بِطُهُورٍ صَحِيحَةٌ، وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الصَّلَاةِ الْمُلْصَقَةِ بِالطَّهُورِ بَاطِلَةٌ كَالصَّلَاةِ إلَى غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَبِدُونِ النِّيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ مِثْلَ قَوْلِنَا أَكْرَمْت رَجُلًا عَالِمًا لَا يَدُلُّ عَلَى إكْرَامِ كُلِّ عَالِمٍ وَكَوْنُ الْوَصْفِ عِلَّةً تَامَّةً لِلْحُكْمِ بِحَيْثُ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ آخَرَ غَيْرَ مُسَلَّمٍ فِي شَيْءٍ مِنْ الصُّوَرِ فَضْلًا عَنْ جَمِيعِ الصُّوَرِ، وَالْقَوْلُ بِعُمُومِ النَّكِرَةِ الْمَوْصُوفَةِ مِمَّا قَدَحَ فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ فَضْلًا عَنْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute