اخْتِيَارَ الْحُكْمِ أَصْلًا أَمَّا اخْتِيَارُ السَّبَبِ فَحَاصِلٌ فِي الْخِيَارِ (فَلَأَنْ تَنْفُذَ) أَيْ: الْأَقْوَالُ الَّتِي لَا تَنْفَسِخُ (بِالْإِكْرَاهِ وَهُوَ يُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ أَوْلَى) .
وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ فِي الْهَزْلِ اخْتِيَارَ الْمُبَاشَرَةِ وَالرِّضَا بِهَا ثَابِتَانِ لَكِنَّ اخْتِيَارَ الْحُكْمِ وَالرِّضَا بِهِ مُنْتَفِيَانِ أَمَّا الْإِكْرَاهُ فَالرِّضَا بِالسَّبَبِ وَالْحُكْمِ مُنْتَفٍ فِيهِ أَمَّا اخْتِيَارُ السَّبَبِ فَحَاصِلٌ فِي الْإِكْرَاهِ مَعَ الْفَسَادِ فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَاقِعَيْنِ فِي الْهَزْلِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِ الْحُكْمِ وَالرِّضَا بِهِ فَوُقُوعُهُمَا فِي الْإِكْرَاهِ مَعَ فَسَادِ الِاخْتِيَارِ أَوْلَى هَذَا مَا قَالُوا وَلَكِنْ، يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ اخْتِيَارَ السَّبَبِ وَالرِّضَا بِهِ حَاصِلٌ فِي
ــ
[التلويح]
بِاعْتِبَارِ رُجْحَانِ جَانِبِ الصِّدْقِ أَيْ: وُجُودِ الْمُخْبَرِ بِهِ فَإِذَا تَحَقَّقَ الْإِكْرَاهُ، وَعَدَمُ الرِّضَى، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى الْكَذِبِ أَيْ: عَدَمُ وُجُودِ الْمُخْبَرِ بِهِ لَمْ تَثْبُتْ الْحُقُوقُ فَإِنْ قِيلَ: الْإِكْرَاهُ يُعَارِضُهُ أَنَّ الصِّدْقَ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْمُؤْمِنِ، وَوُجُودُ الْمُخْبَرِ بِهِ هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ الْكَلَامِ فَلَا يَقُومُ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْمُخْبَرِ بِهِ قُلْنَا الْمُعَارَضَةُ إنَّمَا تَنْفِي الْمَدْلُولَ لَا الدَّلِيلَ فَغَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ لَا يَبْقَى رُجْحَانٌ لِجَانِبِ الصِّدْقِ أَوْ الْكَذِبِ فَلَا تَثْبُتُ الْحُقُوقُ بِالشَّكِّ.
(قَوْلُهُ: وَالْأَفْعَالُ مِنْهَا مَا لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ أَيْ: كَوْنُ الْفَاعِلِ آلَةً لِلْحَامِلِ) ، وَمِنْهَا مَا يَحْتَمِلُ فَالْأَوَّلُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْفَاعِلِ، وَذَلِكَ مِثْلُ الْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ إلَى الْحَامِلِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِهِمَا الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِمَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا أَكْلٌ أَوْ شُرْبٌ كَمَا إذَا أَكْرَهَ صَائِمٌ صَائِمًا عَلَى الْإِفْطَارِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ صَوْمُ الْفَاعِلِ لَا الْحَامِلِ، وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إتْلَافٌ كَمَا إذَا أَكْرَهَهُ عَلَى أَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْفَاعِلِ أَوْ عَلَى الْحَامِلِ، وَكَذَا فِي الزِّنَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَيْهِ كَانَ الْعُقْرُ عَلَى الزَّانِي لَكِنْ لَوْ أُتْلِفَتْ الْجَارِيَةُ بِذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ عَلَى الْحَامِلِ أَيْ: الْمُكْرِهُ، وَالثَّانِي، وَهُوَ مَا يَحْتَمِلُ كَوْنَ الْفَاعِلِ آلَةً لِلْحَامِلِ قِسْمَانِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَلْزَمَ مِنْ جَعْلِهِ آلَةَ تَبْدِيلِ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ أَوْ لَا، أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ، فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْفَاعِلِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَامِلِ إذْ لَوْ نُسِبَ إلَى الْحَامِلِ، وَجُعِلَ الْفَاعِلُ بِمَنْزِلَةِ الْآلَةِ عَادَ عَلَى مَوْضِعِهِ بِالنَّقْضِ؛ لِأَنَّ تَبْدِيلَ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ يَسْتَلْزِمُ مُخَالَفَةَ الْحَامِلِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَمَلَهُ بِالْإِكْرَاهِ عَلَى الْجِنَايَةِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ، وَمُخَالَفَةُ الْحَامِلِ تَسْتَلْزِمُ بُطْلَانَ الْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ حَمْلِ الْغَيْرِ عَلَى مَا يُرِيدُهُ الْحَامِلُ، وَيَرْضَاهُ عَلَى خِلَافِ رِضَا الْفَاعِلِ، وَهُوَ فِعْلٌ مُعَيَّنٌ فِي مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ فَإِذَا فَعَلَ غَيْرُهُ كَانَ طَائِعًا بِالضَّرُورَةِ لَا مُكْرَهًا، وَأَوْرَدَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِذَلِكَ مِثَالَيْنِ؛ لِأَنَّ تَبْدِيلَ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ قَدْ لَا يَسْتَلْزِمُ تَبْدِيلَ ذَاتِ الْفِعْلِ، وَقَدْ يَسْتَلْزِمُهُ فَالْأَوَّلُ كَمَا إذَا أَكْرَهَ مُحْرِمٌ مُحْرِمًا عَلَى قَتْلِ صَيْدٍ فَقَتَلَهُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْفَاعِلِ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ إنَّمَا أَكْرَهَهُ عَلَى الْجِنَايَةِ عَلَى إحْرَامِ نَفْسِهِ فَلَوْ جُعِلَ الْفَاعِلُ آلَةً لِلْحَامِلِ لَزِمَ الْجِنَايَةُ عَلَى إحْرَامِ الْحَامِلِ لَا إحْرَامِ الْفَاعِلِ فَلَمْ يَكُنْ آتِيًا بِمَا أَكْرَهَهُ عَلَيْهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْإِكْرَاهُ فَإِنْ قِيلَ: الِاقْتِصَارُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute