لَا يَكُونُ إلَّا بِأَنْ يَصِيرَ الْفَاعِلُ آلَةً لِلْحَامِلِ (فَإِنْ احْتَمَلَ ذَلِكَ) أَيْ: كَوْنَهُ آلَةً لَهُ (يُنْسَبُ إلَى الْحَامِلِ، وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ كَوْنَ الْفَاعِلِ آلَةً لِلْحَامِلِ (يَبْقَى مَنْسُوبًا إلَى الْفَاعِلِ فَالْأَقْوَالُ كُلُّهَا لَا تَحْتَمِلُ ذَلِكَ) أَيْ: كَوْنَ الْفَاعِلِ آلَةً لِلْحَامِلِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ التَّكَلُّمَ بِلِسَانِ الْغَيْرِ مُمْتَنِعٌ (فَإِنْ كَانَتْ) أَيْ: الْأَقْوَالُ (مِمَّا لَا يَنْفَسِخُ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الِاخْتِيَارِ) كَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ تَنْفُذُ؛ (لِأَنَّهَا) أَيْ: الْأَقْوَالَ الَّتِي لَا تَنْفَسِخُ (تَنْفُذُ مَعَ الْهَزْلِ، وَهُوَ يُنَافِي الِاخْتِيَارَ أَصْلًا وَالرِّضَى بِالْحُكْمِ وَمَعَ خِيَارِ الشَّرْطِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ مَعَ الْهَزْلِ (وَهُوَ يُنَافِي الِاخْتِيَارَ أَصْلًا) أَيْ: يُنَافِي
ــ
[التلويح]
وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَيَلْزَمُهَا الْمَالُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى الرِّضَا وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَدْ تَحَقَّقَ فِي الْهَزْلِ الرِّضَا بِالسَّبَبِ دُونَ الْحُكْمِ، فَيَصِحُّ الْتِزَامُ الْمَالِ مَوْقُوفًا عَلَى تَمَامِ الرِّضَا بِمَنْزِلَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ فِي جَانِبِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهُ لَمَّا دَخَلَ عَلَى الْحُكْمِ فَقَطْ لَمْ يَمْنَعْ وُجُودَ الرِّضَا بِالسَّبَبِ بَلْ بِالْحُكْمِ، فَيَتَوَقَّفُ وُجُودُ الْحُكْمِ أَعْنِي: وُقُوعَ الطَّلَاقِ، وَلُزُومَ الْمَالِ عَلَى الرِّضَا بِالْحُكْمِ فَإِنْ وُجِدَ ثَبَتَ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنَّمَا قَالَ فِي جَانِبِهَا؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ يَمِينٌ فَلَا يَقْبَلُ خِيَارَ الشَّرْطِ، وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْهَزْلَ يَعْدَمُ الرِّضَا، وَالِاخْتِيَارِ فِي الْحُكْمِ دُونَ السَّبَبِ، فَيَصِحُّ إيجَابُ الْمَالِ بِوُجُودِ الرِّضَا فِي السَّبَبِ، وَتَحْقِيقُهُ: أَنَّ مَا يَدْخُلُ عَلَى الْحُكْمِ دُونَ السَّبَبِ فَهُوَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْخُلْعِ بِالْمَنْعِ كَشَرْطِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّ أَثَرَهُ فِي الْمَنْعِ، وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ، وَهُوَ الطَّلَاقُ بِالْمَنْعِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي الْآخَرِ، وَهُوَ لُزُومُ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ، فَيَتْبَعُ الطَّلَاقَ، وَيَلْزَمُ لُزُومَهُ، وَمَا يَدْخُلُ عَلَى السَّبَبِ كَالْإِكْرَاهِ يُؤَثِّرُ بِالْمَنْعِ فِي الْمَالِ دُونَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِي الْخُلْعِ لَا يَجِبُ إلَّا بِالذِّكْرِ فِيهِ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ صِحَّةِ الْإِيجَابِ لِثُبُوتِ الثَّمَنِ، وَالدَّاخِلُ عَلَى السَّبَبِ كَالْإِكْرَاهِ يَمْنَعُ الْإِيجَابَ فِي الْبَيْعِ فَكَذَا فِي الْخُلْعِ، وَالدَّاخِلُ عَلَى الْحُكْمِ لَا يَمْنَعُهُ فِي الْبَيْعِ لَكِنْ يَمْنَعُ اللُّزُومَ، وَهُنَا لَا يَمْنَعُ اللُّزُومَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَقْصُودٌ، وَالْمَالُ تَبَعٌ، فَحَيْثُ لَا يَمْنَعُ لُزُومَ الْمَتْبُوعِ لَمْ يَمْنَعْ لُزُومَ التَّابِعِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ التَّابِعِ يُؤْخَذُ مِنْ الْمَتْبُوعِ أَبَدًا.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ) أَيْ: الْأَقْوَالُ مِمَّا يَنْفَسِخُ، وَيَتَوَقَّفُ عَلَى الرِّضَا تَنْعَقِدُ فَاسِدَةً أَمَّا الِانْعِقَادُ فَلِصُدُورِهَا عَنْ أَهْلِهَا فِي مَحَلِّهَا، وَأَمَّا الْفَسَادُ فَلِأَنَّ الرِّضَا شَرْطُ النَّفَاذِ فَلَوْ أَجَازَ التَّصَرُّفَ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً صَحَّ لِزَوَالِ الْمَعْنَى الْمُفْسِدِ ثُمَّ الْإِكْرَاهُ الْمُلْجِئُ كَالْإِكْرَاهِ بِالْقَتْلِ، وَغَيْرُ الْمُلْجِئِ كَالْإِكْرَاهِ بِالضَّرْبِ سَوَاءٌ فِيمَا يَنْفَسِخُ، وَيَتَوَقَّفُ عَلَى الرِّضَا لِأَنَّ الرِّضَا مُنْتَفٍ فِي النَّوْعَيْنِ، فَيَنْتَفِي النَّفَاذُ، وَالنَّظَرُ فِي حَدِّ الْإِكْرَاهِ مِنْ الضَّرْبِ أَوْ الْحَبْسِ مَفْرُوضٌ إلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا) أَيْ: مِثْلُ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي لَا تَنْفَسِخُ: الْأَقَارِيرُ كُلُّهَا مِنْ الْمَالِيَّاتِ، وَغَيْرِهَا فِي أَنَّهَا تَفْسُدُ بِالْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ، وَغَيْرِ الْمُلْجِئِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ خَبَرٌ يَتَمَثَّلُ بَيْنَ الصِّدْقِ، وَالْكَذِبِ، وَإِنَّمَا يُوجِبُ الْحُقُوقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute