ولمَّا بيّن قهره لهم بعلمه بيّن عجزهم عن كلِّ شيءٍ من علمه إلا ما أفاضَ عليهم بحلمه فقال - جل جلاله -: (ولا يحيطون بشيء..من علمه إلا بما شاء) .. ثُمَّ بيَّن ما في هذه الجملة من إحاطة علمه وتمام قدرته بقوله مصورًا لعظمته وتمام علمه وكبريائه وقدرته بما اعتاد الناس في ملوكهم (وسع كرسيّه.. السموات والأرض) .. فبان بذلك ما قبله؛ لأنَّ من كان بهذه العظمة في هذا التدبير المحكم والصنع المتقن كان بهذا العلم وهذه القدرة التي لايثقلها شيء،ولذا قال - عز وجل - (ولا يؤوده ... حفظهما) في قيوميته كما يثقل غيره ...
ولمَّا لم يكن علوه وعظمته بالقهر والسلطان والإحاطة بالكمال منحصرًا فيما تقدم عطف عليه قوله - جل جلاله - (وهو..العليّ..العظيم) كما أنبأ عن ذلك افتتاح الآية بالاسم العلم الأعظمِ الجامع لجميع معاني الأسماء الحسنى علوًا وعظمة تتقاصر عنهما الأفهام لما غلب عليها من الأوهام ...
وقد علم من هذا التقرير أنّ كلّ جملة استؤنفت فهي علة لما قبلها، وأنّ الأخيرة شارحة للازم العلم المحيط وهو القدرة التامة ...
فمن ادّعَى شركة فليحفظ هذا الكون،ولو في عام واحد من الأعوام وليعلم بما هو فاعلٌ في ذلك العام ليصحّ قوله وأنَّى له ذلك وأنَّى!!!
واتضح بما تقررله - سبحانه وتعالى - من العلو والعظمة أنّ الكافر به هو الظالم، وأنّ يوم تجليه للفصل لا تكون فيه شفاعة ولا خلّة، وأمّا البيع فهم عنه في أشغل الشغْلِ، وإن كان المراد به الفداء فقد علم أنّه لاسبيل إليه ولا تعريج عليه.
وبهذه الأسرار اتضح قول السيد المختار - صلى الله عليه وسلم -
: "إنّ هذه الآية سيّدة آي القرآن "(رواه الترمزي في صحيحه: فضائل القرآن: حديث:٢٨٧٨)