للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

" (وإذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ) العابد للعجلِ والساكت عنه ... (ياقوم) وأكّد لعراقتهم في الجهل ِبعظيمِ ما ارتكبوه وتهاونهم به لما أشربوا في قلوبهم من الهوى، فقال: (إنكم ظلمتم أنفسكم) ظلمّا تستحقون به العقوبة (باتخاذكم العجل) أي إلها من دون الله - سبحانه وتعالى -، فجعلتم أنفسكم متذللة لمن لا يملك لها شيئًا ولمن هي أشرف منه، فأنزلتموها من رتبة عزّها بخضوعها لمولاها الذي لايذلُّ من والاه ولا يعزّ من عاداه إلى ذُلّها بخضوعها لمن هو دونكم أنتم ... (فتوبوا إلى بارئكم) الذي فطركم من قبل أن تتخذوا العجل بريئين من العيب مع إحكام الخلق على الأشكال المختلفة.

وقال "الحرَالّيّ": "البارئ اسم قائم بمعنى البرء، وهو إصلاح المواد للتصوير، كالذي يقطع الجلد والثوب ليجعله خفًّا وقميصًا، وكالذي يطحن القمح ويعجن الطين ليجعله خبزًا وفخارًا ونحو ذلك، ومعناه التدقيق للشيء بحسب التهيؤ لصورته. انتهى "

... (فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم) أي القادر على إعدامكم كما قدر على إيجادكم.

وفي التعبير بالبارئ ترغيب لهم في طاعته بالتذكير بالإحسان وترهيب بإيقاع الهوان.." (١)

في استحضار معنى (بارئ) ما يهزّ النفس الساعية إلى تدنيس ما فطره الله - سبحانه وتعالى - بريئًا من دنس الشرك به، وهذا ضرب من الإفساد، وليس أعظم إفسادًا ممن يفسد نفسه المفطورة على التوحيد البريئة من الشرك، فإنّ مثل هذا لايؤتمن على غيره، فمن خان نفسه التي بين جنبيه ولم يحفظها فإنّ خيانته غيره أشذُ وأنكلى.

وفي هذا تنفير لهذه الأمة المحمَّدية من أن تسلك مسالك الخائنين أنفسهم المدنسينها بالشرك


(١) - نظم الدرر:١/٣٧٢- ٣٧٣..

<<  <   >  >>