للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجلال السيوطي:

عبد الرحمن بن أبي بكر بن عثمان بن محمد الخضيري السيوطي (٨٤٩-٩١١) من أشهر علماء عصره برع في كثير من العلوم والفنون ترجم نفسه في كتابه حسن المحاضرة، وتلقى على علماء عصره ومنهم البقاعي (١)

وكانت بينه وبين البقاعي مناقدات تجاوزت حدَّ السماحة الخلقية بين أهل العلم وبين الشيخ وتلميذه

تلاميذ كلّ عالم هم حاملو علمه ومنهاج حياته، وهم أبرّ به من ولده الذي قد خرج من صلبه.

والعالم الذي هو جدير بأن يكون مداد قلمه أزكى من ريح المسك يوم القيامة هو الذي يقتدر على أن يُحِيلَ حياة تلاميذه أولاً، وأمَّته من بعدهم من مدرجة من مدارج القربِ إلى ما هو أسمى منها، وأن يُحيل حياتهم إلى ما يقيمهم في مقامِ التَّلَذُّذِ بطلب العلم تعلُّما وتعْلِيمًا، وتأدبًا وتخلقًا؛ لِيكونوا يومًا ورثةَ النُّبوَّةِ.

إنَّ تكوينَ تلميذٍ واحدٍ يَحمِلُ عن الشَّيخ منهاجَ حياتِه يَعدِلُ الدُّنْيَا ومَا فِيها.

والعالِمُ الحَقُّ لا يَحرِصُ على أن يعلّم تلاميذه كيف يَعُونَ المعرفة في قلوبهم وَعْيَ الأسفارِ والقراطيس، إنَّما العالِمُ من يعلِّم تلاميذه منهاجَ التفكير والتحليل والتقويم والاصطفاء والاستثمار. ولو أنَّنا علَّمنا تلاميذنا في جامعاتنا - على الأقل - كيف يُفَكِّرُون ويُحَلّلُونَ ويُقَوِّمُون ويَصْطَفُون لكان لنا شأن آخر

من يجعل تلاميذه يقفون من المعرفة الإنسانية أيًّا كان مصدرها الإنسانيّ بقلب مفتوح لا يتخذ من الأشياء موقف التقديس أو التدنيس من قبل أن يسبر ويحلل ويقوم. القلب المفتوح هو آية حياة صاحبه، ومن أغلق قلبه أمام المعارف البشرية فقد أغلق أبواب الحياة في وجه، فالمعرفة ضالة المؤمن، ومقدار الآخر عنده بمقدار ما يحسن ذلك الآخر.


(١) - الضوء اللامع للسخاوي: ج ٤/٦٦

<<  <   >  >>