والثاني: أن مصير العبد ومرجعه إلى الله مولاه الحق, ولا بد أن يخلف الدنيا وراء ظهره, ويأتي ربه يوم القيامة فرداً, كما خلقه أول مرة, بلا أهل ولا مال ولا عشيرة, ولكن يأتيه بالحسنات والسيئات, فإذا كانت هذه بداية العبد وما خوله فيه, ونهايته وحاله فيه, فكيف يفرح العبد بولد أو مال أو غير ذلك من متاع الدنيا, أم كيف يأسى على مفقود, ففكرة العبد في بدايته ونهايته من أعظم علاج المصائب.
ومن علاجه أن يعلم علم اليقين أن ما أصابه لم يكن ليخطئه, وما أخطأه لم يكن ليصيبه (١).
ولا ينبغي للمؤمن أن ينزعج من مرض أو نزول موت, وإن كان الطبع لا يملك إلا أنه ينبغي له التصبر مهما أمكن, إما لطلب الأجر بما يعاني, أو لبيان أثر الرضا بالقضاء, وما هي إلا لحظات ثم تنقضي.
وليتفكر المعافى من المرض في الساعات التي كان يقلق فيها, أين هي في زمن العافية؟ ذهب البلاء, وحصل الثواب, كما تذهب اللذات المحرمة ويبقى الوزر, ويمضي زمان التسخط بالأقدار ويبقى العتاب. وهل الموت إلا آلام تزيد فتعجز النفس عن حملها فتذهب, فليتصور المريض وجود الراحة بعد رحيل النفس, وقد هان ما يلقى كما يتصور العافية بعد شرب الشربة المرة, ولا ينبغي أن يقع جزع
(١) تسلية أهل المصائب ١٩.