للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقلت له: يا أبا إسحاق أنت عالم الدنيا تقول مثل هذا في صبي قد أنجب ولقنته الحديث والفقه؟ قال: نعم, رأيت في منامي كأن القيامة قد قامت, وكأن صبياناً بأيديهم قلال فيها ماء يستقبلون الناس فيسقونهم, وكان اليوم حاراً شديداً حره, قال: فقلت لأحدهم: أسقني من هذا الماء, قال: فنظر إليّ وقال: ليس أنت أبي, قلت: فأي أنتم؟ قال: فقال لي: نحن الصبيان الذين متنا في دار الدنيا وخلفنا آباؤنا فنستقبلهم فنسقيهم الماء, قال: فلهذا تمنيت موته (١).

أخي: إنه لا بد من الابتلاء بما يؤذي الناس, فلا خلاص لأحد مما يؤذيه ألبتة, ولهذا ذكر الله -تعالى- في غير موضع أنه لا بد أن يُبتلى الناس, والابتلاء يكون بالسراء والضراء, ولا بد أن يبتلى الإنسان بما يسره وما يسوءه, فهو محتاج إلى أن يكون صابراً شكورا, قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (٢).

قال قيس بن الحجاج في قول الله: {فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا} قال: أن يكون صاحب المصيبة في القوم لا يعرف من هو (٣).

وقد مات ابن لبعض قضاة البصرة, فاجتمع إليه العلماء والفقهاء, فتذاكروا ما يتبين به جزع الرجل من صبره, فأجمعوا أنه


(١) تسلية أهل المصائب ٤٣.
(٢) الفوائد ٢٧١.
(٣) عدة الصابرين ١٢٨.

<<  <   >  >>