للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أحب إلي منه, فمات فرأيته يبكي, قال: قد كنت تتمنى موته, قال أذكر قوله: آه جنبي (١).

ومات ابن لعبدالرحمن بن مهدي فجزع عليه جزعاً شديداً. فبعث إليه الشافعي يقول له: يا أخي, عزّ نفسك بما تعزي به غيرك, واستقبح من فعلك ما تستقبحه من غيرك, واعلم أن أمضَّ المصائب فقد سرورٍ وحرمان أجر, فكيف إذا اجتمعا مع اكتساب وزر, فتناول حظِّك يا أخي إذا قرب منك قبل أن تطلبه وقد تنأى عنك, ألهمك الله عند المصائب صبراً, وأحرز لنا بالصبر أجراً (٢).

ألا إنما الدنيا غضارة أيكة ... إذا اخضر منها جانبٌ جف جانب

وما الدهر والآمال إلا فجائعٌ ... عليها وما اللذات إلا مصائب

فلا تكتمل عيناك منها بعبرة ... على ذاهب منها فإنك ذاهب (٣)

سبحان المتصرف في خلقه بالاغتراب والإذلال ليبلو صبرهم, ويظهر جواهرهم في الابتلاء.

فمن تلمح بحر الدنيا وعلم كيف تُتَلقى الأمواج, وكيف يصبر على مدافعة الأيام لم يستهول نزول بلاء, ولم يفرح بعاجل


(١) تسلية أهل المصائب ٤٦.
(٢) تسلية أهل المصائب ١٧٥.
(٣) البداية والنهاية ١١/ ٣٢٠.

<<  <   >  >>