للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يعملون بالمصلحة، ويعتمدون عليها في الحكم عند عدم وجود الحكم في غيرها من غير تفريق بين نوع منها وآخر، فيكون كافياً في إثبات اعتبار المصلحة المرسلة.

اعترض القاضي على هذا الدليل بما نقله عنه الغزالي من أنه قال: "لعلهم كانوا يعتمدون معاني يعلمون أن أصول الشريعة تشهد لها، وإن كان لا يعينونها كالفقيه يتمسك في مسألة المثقل بقاعدة الزجر، فلا يحتاج إلى تعيين أصل"١.

وقد أجاب الغزالي عن هذا الاعتراض بعد تسليم ورود الاحتمال فقال: "والذي نراه أن هذا في مظنة الاحتمال، والاحتكام عليه بعد تمادي الزمان لا معنى له"٢، ومراده أن التماس مثل هذا الاحتمال البعيد بعد مضي الزمن، وبعد العهد بيننا وبينهم أمر لا معنى له.

ولذا يكون هذا الدليل حجة في اعتبار المناسب المرسل، لسلامته مما يقدح فيه كغيره من الأدلة التي تقدمت والله تعالى أعلم.

هذه هي الأدلة التي استدل بها لمذهب مالك حسبما وقفت عليه، والذي نسب إليه القول بالمناسب المرسل مطلقاً، حتى عرف به رحمه الله.

والآن ننتقل إلى استعراض بعض الأمثلة التي كان اعتماد المالكية في القول بها على المناسب المرسل، وذلك لقصد معرفة ما إذا كان قول المالكية بها اعتماداً على شهادة القواعد العامة للشرع وشهادة نصوصه لها في الجملة، وإن لم يشهد لها أصل معين بالاعتبار، أم أن قولهم بها كان قولاً بالرأي المجرد عن الدليل واعتماداً على المصلحة، وإن لم يشهد لها أصل، بل كان قولهم بها تقديماً لها على النصوص كما يدعيه خصومهم.

١ - ضرب المتهم بالسرقة، والزنا، والقتل، وما يجري خفية، فقد رأى المالكية ضربه، وسجنه انتزاعاً لإقراره، حيث إن الجاني لا يقر على نفسه


١ انظر: المنخول ص ٣٥٧.
٢ انظر: المنخول ص ٣٧٨، ورأى الأصوليين في المصالح المرسلة والاستحسان من حيث الحجية ص ١٨٧.

<<  <   >  >>