للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

باختياره؛ ولأن إقامة البينة لا تمكن على ما يعمل خفية، فرأوا أن المصلحة تقتضي ذلك حفظاً للنفوس والأعراض والأموال، إذ لو علم أنه لا ينتزع منه الإقرار بالضرب والسجن مع تعذر إقامة البينة عليه، وتمكنه من السطو، ووسائل الهرب، ولا سيما مع ضعف الوازع الديني، لأدى ذلك إلى ضياع الحقوق وانتشار الفساد.

ولما كان الأخذ بهذه المصلحة معارضاً بمصلحة حفظ عرض وبدن المتهم، كانت محل الخلاف بين العلماء ومثال نقد على المالكية، وعلى الإمام مالك رحمه الله بصفة خاصة، حتى نسب إليه مخالفوه ما لم يقله، فنسب إليه الغزالي القول بضرب المتهم١، مع أن الواقع خلاف ذلك، إذ لا تصح نسبة ذلك إليه، وإن كان نسبه إليه بعض المالكية وغيرهم لما سيأتي قريباً إن شاء الله تعالى.

وهذه نقول تدل على هدم صحة هذه النسبة نذكرها فيما يلي:

١ - ما جاء في المدونة أن سحنوناً٢ قال: "قال: أرأيت إن أقر بشيء من الحدود بعد التهديد أو القيد، أو الوعيد أو السجن أو الضرب، أيقام عليه الحد أم لا؟

قال ابن القاسم٣: قال مالك: "من أقر بعد التهديد أقيل، فالوعيد


١ انظر: شفاء الغليل ص ٢٢٨ فما بعدها.
٢ هو: عبد السلام بن سعيد بن حبيب التنوخي أبو سعيد المالكي الفقيه الثقة الحافظ، ولد سنة ١٦٠هـ، وأخذ العلم عن مشائخ القيروان ورحل في طلب العلم إلى تونس وغيرها، وأخذ عن ابن القاسم وابن وهب وأشهب وغيرهم، كان ورعاً شديداً على أهل البدع، انتهت إليه رياسة المذهب في المغرب، واشتغل بالتدريس والتصنيف، وانتشر علم مالك بالمغرب عنه، فهو فقيه أهل زمانه وشيخ عصره، وقاضي إفريقية إلى أن توفي سنة ٢٤٠هـ وصلى عليه الأمير محمد بن الأغلب، من مؤلفاته المدونة. انظر: الديباج ٢/٣٠ فما بعدها.
٣ هو: عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة العتقي بالولاء، الإمام المشهور المكنى بأبي عبد الله الفقيه المالكي، روى عن مالك والليث وعبد العزيز بن الماجشون وغيرهم، روى عنه أصبغ وسحنون وغيرهما، ثقة ثبت، كان أثبت من روى الموطأ عن مالك، وكان لا يقبل جوائز السلطان، ولد سنة١٣٢هـ وقيل سنة ١٢٨هـ صحب مالكاً عشرين سنة، توفي رحمه الله سنة ١٩١هـ بمصر، ودفن بالقرافة الصغرى.
انظر: الديباج المذهب ١/٤٦٥ فما بعدها، ووفيات الأعيان ٣/١٢٩.

<<  <   >  >>