لمن أحب الناس إليَّ فاستوصوا به خيراً فإنه من خياركم ?.
وهكذا نرى بوضوح أن قلب رسول الله? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? كان أكبر من أن يأمر بمعاقبة قوم طعنوا في القيادة التي اختارها لجيشه وتجاوزوا على صلاحيات القائد الأعلى الذي هو في الوقت نفسه رسول الله? صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ? ومؤسس أمة وباني مجد وقائد عسكري عظيم حيث يصفه الإمام " علي " بقوله: ? كنا إذا احمر البأس اتقينا برسول الله فلم يكن منا أقرب للعدو منه ? مثل هذا الرسول العظيم وأمام هذه البادرة الخطيرة لم يزجر ولم يهدد ولم يتهم بالفسق والخروج عن الإسلام أحداً من الذين طعنوا في إمارة " أسامة " وكل ما قاله في آخر عتابه: ? واستوصوا به خيراً فإنه من خياركم ? كل هذا يثبت للمسلمين أن اختياره " لأسامة " لم يكن بأمر من الله ولا علاقة لهذا الاختيار بالسماء والوحي بل إنه اختيار شخصي ينبع من كفاءة " أسامة " وحبه لقيادة جيش المسلمين، وإن غضبه - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - للمقالة التي قالوها لا يحملهم مسؤولية أخروية أو عذاباً إلهياً، ولذلك ختم كلامه - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - معدداً الأسباب التي كانت وراء اختياره للقائد الشاب وطلب من المسلمين أن يسيروا وراءه.
ونذكر هنا رواية رواها " ابن عباس " عن الخليفة " عمر " صريحة كل الصراحة في موقف الصحابة نحو الرغبات الشخصية لرسول الله - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - والأوامر الإلهية التي كان يصدع بها فقد روى " ابن عباس " قال: ? خرجت مع " عمر " إلى الشام في إحدى خرجاته فانفرد يوماً يسير على بعير فاتبعته فقال: يا " ابن عباس " أشكو إليك ابن عمك سألته أن يخرج معي فلم يقبل ولم أزل أراه واجداً، فيم تظن موجدته؟ فقلت: يا أمير المؤمنين إنك لتعلم، قال: أظنه لا يزال كئيباً لفوت الخلافة،