جحافل الصوفية تتحرك بين المدائن الإيرانية تنشد الأشعار والمدائح في حق " علي " وأهل بيته وتحث الناس على الدخول في المذهب الشيعي وأعمل الشاه " إسماعيل " السيف في رقاب الذين لم يعلنوا تشيعهم، ومن طريف القول أن نذكر هنا أن سكان مدينة " أصفهان " كانوا من الخوارج فعندما وصلهم أمر الشاه بقبول التشيع أو قطع الرقاب طلبوا منه أن يمهلهم أربعين يوماً ليكثروا فيها من سب الإمام " علي " ثم يدخلوا في المذهب الجديد فأمهلهم الشاه كما أرادوا وهكذا انضمت "أصفهان" إلى المدن الشيعية الأخرى، ومع أن الشاه " إسماعيل " كان شيعياً بقرارة نفسه وبحكم نشأته ومقامه الصوفيّ إلا أن إعطاء الصفة الشيعية الخالصة لإيران كان يهم النظام الجديد كثيراً فالحروب العثمانية وإن كانت في حقيقتها حروباً إقليمية لها جذورها الماضية إلا أن الاستمرار في هذه الحرب كان يصطدم بفكرة حرمة حرب المسلم مع المسلم وقتل المسلم للمسلم الأمر الذي كان يلاقي معارضة داخل إيران وكانت فكرة الانضمام للخلافة العثمانية والرضوخ لأمر الخليفة الذي كان يلقب بأمير المؤمنين أمراً له أنصاره، ولكن المذهب
الجديد الذي أملاه الشاه على الشعب الإيراني أعطى تماسكاً قوياً للإيرانيين وقضى على كل الآمال التي كانت تراود الخليفة العثماني لضم إيران إلى خلافته، وفي حين أن الشاه كان يرى نفسه قطباً صوفياً وملكاً أسس للشيعة مجداً لم يؤسس أحد مثله من قبل إلا أنه رضخ لولاية الفقيه وطلب من " علي بن عبد العال الكركي العاملي " كبير علماء الشيعة بجبل عامل بِ " لبنان " أن يحكم له دعائم السياسة والملك ويجيزه الجلوس على كرسي الملك والحكم باسم الولاية العامة التي هي من صلاحيات الفقيه ولا زالت الكتب التاريخية تحتفظ بالنصوص الواردة في إجازة " الكركي " للشاه، إن رجوع الشاه إلى عالم شيعي في " جبل عامل " بلبنان في إبان حكمه لإسناد نظامه دليل قاطع على أن الزعامة المذهبية الشيعية كان مقرها آنذاك في " جبل عامل " الموطن الثاني للشيعة بعد العراق، ولذلك آياتها نستغرب أبداً عندما نعلم أن حفيد الشاه " إسماعيل " وهو الشاه " عباس " استقدم من " جبل عامل " العالم الشيعي الكبير الشيخ " بهاء الدين " إلى مقر عاصمته " أصفهان " ليكون المرجع الرسمي للبلاد ولقبه بِ " شيخ الإسلام " ومن كل ما أسلفنا يظهر بوضوح أن فكرة " ولاية الفقيه " كانت موجودة في الفكر الشيعي وعليها كانت تبنى فكرة عدم شرعية الخلافة الإسلامية أو أية