للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعدم مشاركته في الإثم وذلك أن مخالطة الناس بشتى أجناسهم ومللهم لغرض الدعوة إلى الله والإصلاح مشروع إلا أن الفاسق الملي الراجح شره على خيره والمبتدع لا يُصاحب ولا يُجالس كما يُصاحب ويُجالس الأتقياء ولا ينبغي أن يكون لهم في القلب محبة الأتقياء, وينبغي عدم الإفراط في مخالطتهم لئلا يتأثر بهم المُخالط فيقلدهم أو يشاركهم في المعصية , وعلى هذا فمن يُخالط العصاة وحتى الكفرة لنصحهم ووعظهم دون أن يتأثر بهم فمعاملته لهم خير من هجرانهم، فإذا غلب على الظن أنهم لا ينتصحون ولا يتعظون فالأفضل هو البعد عنهم، وينبغي التنبه إلى أنه لا يجوز مخالطة الفساق والمبتدعة حال فسقهم وبدعتهم وتصويب آراءهم تقية بل ينبغي الإنكار عليهم فإن لم ينتهوا فارقهم.

وهنا تنبيه المصاحبة الجبرية التي لا دخل للعبد فيها لا تدخل فيما قررناه كما قال تعالى في شأن الوالدين المشركين (وصاحبهما في الدنيا معروفا) وكذلك صحبة الزوجة الكتابية والجار الكافر بالحسنى وصحبة الصاحب المشرك بالحسنى في السفر والعمل. قال تعالى (وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ).

وأما حكم مصادقة العصاة فلها تفصيل آخر , والفرق بين المصاحبة والمصادقة أن المصادقة هي درجة أرفع من المصاحبة فالمصاحبة قد تشمل جميع الناس كافرهم ومؤمنهم بخلاف الصداقة كمصاحبة الولد المسلم التقي لوالده المشرك بالمعروف ونحو ذلك.

نعود إلى حكم مصادقة العصاة فالمعاصي على نوعين معاصي مكفرة كمن يشرك بالله أو يترك الصلاة تركاً كاملاً ونحو ذلك , وهناك معاصي غير مكفرة وهي التي لا تُخرج الإنسان من الملة لكن يوصف فاعلها بأنه فاسق ومؤمن ناقص الإيمان كالزنا وشرب الخمر ونحو ذلك ما لم يستحلها فعقيدة أهل السنة والجماعة وإجماع السلف على عدم تكفير صاحب الكبيرة ما لم يستحلها.

إذا عُلم هذا فمصادقة الناس ينبغي حكمها على ما سبق فلا يجوز اتخاذ الكافرين أولياء أو مُخالطتهم مع الأنس بهم أو اتخاذهم أصدقاء وخلان أو تقديمهم على المؤمنين أو ومودتهم ومحبتهم أو نحو ذلك وهذا في حق عمومهم لكن يجب العدل معهم وعدم ظلمهم والاعتداء عليهم بغير وجه شرعي ويجوز التعامل معهم بالبيع والشراء والقرض ونحو ذلك.

أما عصاة المؤمنين فتجب محبتهم بقدر ما معهم من إيمان وينبغي بغضهم بقدر ما معهم من فسق ومعصية ويجب تغليب محبتهم على بغضهم إذا كان خيرهم راجحاً على شرهم , أما اتخاذهم أصدقاء فهم على قسمين: القسم الأول: هم من كان خيرهم راجح على شرهم وهؤلاء لا بأس بصداقتهم حينئذ وإن كان خلاف الأولى. والقسم الثاني: وهم من كان شرهم راجح على خيرهم وهؤلاء صداقتهم مما يُخالف قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (إِنَّمَا مَثَلُ الجليس الصالحُ والجليسُ السوءِ كحامِلِ المسك، ونافخِ الكِيْرِ، فحاملُ المسك إِما أن يُحْذِيَكَ، وإِما أن تبتاع منه، وإِمَّا أن تجِدَ منه ريحا طيِّبة، ونافخُ الكير إِما أن يَحرقَ ثِيَابَكَ، وإِما أن تجد منه ريحا خبيثَة). أخرجه البخاري ومسلم. وقال النووي في شرح صحيح مسلم عند كلامه على الحديث: (إنما

<<  <   >  >>