مناط إيجاب الهجرة هو عدم القدرة على إظهار الدين سواء كانت دار كفر أو لا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ في كتاب الأم: دَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْهِجْرَةِ عَلَى مَنْ أَطَاقَهَا إنَّمَا هُوَ عَلَى مَنْ فُتِنَ عَنْ دِينِهِ بِالْبَلَدِ الَّذِي يُسْلِمُ بِهَا. اهـ. وفي أسنى المطالب: وكذا كل من أظهر حقا ببلدة من بلاد الإسلام ولم يقبل منه ولم يقدر على إظهاره تلزمه الهجرة منها. نقله الأذرعي وغيره عن صاحب المعتمد، ونقله الزركشي عن البغوي أيضا، واستثنى البلقيني من ذلك ما إذا كان في إقامته مصلحة للمسلمين فيجوز له الإقامة، فإن لم يستطع الهجرة فهو معذور إلى أن يستطيع. انتهى.
[حكم استئذان الوالدين في الهجرة الواجبة المتعينة]
لا يلزم استئذان الوالدين في الهجرة الواجبة المتعينة إلا أنه لو استئذنهما من باب توقيرهما لكان مستحباً لكن لو رفض الوالدين ذلك فلا طاعة لهما , وذلك أن الهجرة فراراً بالدين واجبة ولو كان فيها عصيان للوالدين.
قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٣) قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) وقد قالت طائفة من أهل العلم إن قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ ... الآية) إنها نزلت في الحض على الهجرة الواجبة المتعينة ورفض بلاد الكفر، وأن الخطاب لمن كان من المؤمنين بمكة وغيرها من بلاد العرب، نهوا أن يوالوا الآباء والإخوة فيكونون لهم تبعاً في سكنى البلاد والكفر.
وهنا تنبيه على ما تقدم وهو أنه لا يعني قولنا بأن الهجرة الواجبة المتعينة تجب على المسلم ولو لم يأذن له والديه بأن هجر الوالدين جائز بل نقول أن هجر الوالدين جائز إذا كان على سبيل التبع بسبب الهجرة الواجبة المتعينة وهذا في حال عدم القدرة على التوفيق بين الهجرة المتعينة وفي نفس الوقت صلة الوالدين ولا يحتج أحد هنا بأن إبراهيم عليه السلام قد هجر والديه.
بل إن ما وقع من إبراهيم عليه السلام هو أنه أولاً ترك ما عليه قومه من الباطل والتزم الحق، ولذلك قال فيما حكى الله عنه:} وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا {.قال ابن كثير في تفسيره وهو يبين معنى هذه الآية: أي: أجتنبكم وأتبرأ منكم ومن آلهتكم التي تعبدونها من دون الله،} وَأَدْعُو رَبِّي {أي: وأعبد ربي وحده لا شريك له. اهـ.
وإبراهيم عليه السلام بعد أن رأى أباه يتوعده بقوله فيما ذكر الله عنه في كتابه:} قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا {.