للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَلَيْهِمْ سَبِيلًا " فهذه الآيات وما شابهها مما لم يُذكر تدل على الأمر بقبول السلم من الكفار إذا جنحوا إليه.

أما الأدلة من السنة النبوية الشريفة فكثيرة منها، قوله صلى الله عليه وسلم "لا تتمنوا

لقاء العدو وسلوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا"

حيث نهى النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث عن الرغبة في الحرب وتمني لقاء العدو.

وكذلك رسائله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والأمراء ودعوته لهم بالدخول إلى

الإسلام، فهذا يدل على أن الأصل هو السلم فلو كان الأصل هو الحرب لما أرسل إليهم هذه الرسائل.

قال الزحيلي: وإن الأصل في علاقات المسلمين بغيرهم هو السلم، والحرب عارض لدفع الشر، وإخلاء طريق الدعوة ممن وقف أمامها وتكون الدعوة إلى الإسلام بالحجة والبرهان لا بالسيف والسنان.

[أنواع القتال في الإسلام والحكمة منه]

بدايةً أخي المسلم اعلم أن ما يسميه البعض عنفاً، قد يسميه غيره قوةً وحزماً وردعاً، والناس ليسوا على شاكلة واحدة، فمنهم من يقف عند حده ويلتزم العدل والإنصاف، ولا يحارب الحق ولا يعاديه، ومنهم من يبغي ويطغى، ويظلم ويتعدى، ويبغض الحق ويحاربه، ويصد عن سبيل الله. وليس من العقل ولا من الحكمة أن يعامَل الجميع معاملة واحدة، ولذلك تجد في القرآن قوله تعالى: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {الأنفال: ٦١}.

كما تجد فيه قوله عز وجل: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ * أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ {التوبة: ١٢ـ ١٣}.

وتجد فيه كذلك قوله سبحانه: وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا {النساء: ٧٥}.

وما أحسن قول المتنبي:

ووضع الندى في موضع السيف بالعلا ... مضر كوضع السيف في موضع الندى.

فالعنف قد يُحمد أحيانا، كما قد يُذم اللين أحيانا، والحكمة أن يوضع الشيء في موضعه، والجهاد في الإسلام لم يشرع لتحصيل أغراض دنيوية، بل شرع ليكون الدين كله لله، ولتكون كلمة الله هي العليا، مما يدرأ الفتنة، ويحاصر أبوابها ومنافذها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إذا كان أصل القتال المشروع هو الجهاد، ومقصوده هو أن يكون الدين كله لله وأن تكون كلمة الله هي العليا، فمن امتنع من هذا قوتل باتفاق المسلمين، وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير والأعمى والزمن ونحوهم، فلا يقتل عند جمهور العلماء، إلا أن يقاتل بقوله أو فعله، وإن كان بعضهم يرى إباحة قتل الجميع لمجرد الكفر إلا النساء والصبيان، لكونهم مالا للمسلمين، والأول هو الصواب، لأن القتال هو لمن يقاتلنا إذا أردنا إظهار دين الله، وذلك أن الله تعالى أباح من قتل النفوس ما يحتاج إليه في صلاح الخلق، كما قال تعالى: والفتنة أكبر من القتل ـ أي أن القتل وإن كان

<<  <   >  >>