للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي هذا دلالة واضحة على قوة يقينه، وصبره على الأذى، وحلمه على الجهال، وشدة رغبته في استئلاف الكفار؛ ليدخلوا في الإسلام، ولهذا ذُكِرَ أن هذا الأعرابي رجع إلى قومه وأسلم، واهتدى به خلق كثير (١).

وهذا مما يؤكد أن الحلم من أعظم أركان الحكمة ودعائمها.

٥ - ومن عظيم حلمه عدم دعائه على من آذاه من قومه، وقد كان باستطاعته أن يدعو عليهم، فيهلكهم اللَّه، ويدمرهم، ولكنه - صلى الله عليه وسلم - حليم حكيم، يهدف إلى الغاية العظمى، وهي رجاء إسلامهم، أو إسلام ذرياتهم، ولهذا قال عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه -: كأني أنظر إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يحكي نبيّاً من الأنبياء، صلوات اللَّه وسلامه عليهم، ضربه قومه فأدْمَوْهُ وهو يمسح الدم عن وجهه، ويقول: ((اللَّهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)) (٢).

ومما يدل على أن الحلم ركن من أركان الحكمة ملازمة صفة الحلم للأنبياء قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - في دعوتهم إلى اللَّه تعالى.

فهذا إبراهيم أبو الأنبياء -عليه وعليهم الصلاة والسلام- قد بلغ


(١) انظر: فتح الباري ٧/ ٤٢٧، ٤٢٨.
(٢) البخاري مع الفتح، كتاب أحاديث الأنبياء، باب حدثنا أبو اليمان، ٦/ ٥١٤، (رقم ٣٤٧٧)، ومسلم، في كتاب الجهاد والسير، باب غزوة أحد، ٣/ ١٤١٧، (رقم ١٧٩٢).

<<  <   >  >>