للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمعنى: لا حليم إلا صاحب زلة قدم، أو لغزة قلم في تقريره أو تحريره. وقيل: لا حليم كاملاً إلا من وقع في زلة، وحصل منه الخطأ والتخجل، فعفي عنه فعرف به رتبة العفو، فيحلم عند عثرة غيره؛ لأنه عند ذلك يصير ثابت القدم، ولا حكيم كاملاً إلا من جرب الأمور، وعلم المصالح والمفاسد؛ فإنه لا يفعل فعلاً إلا عن حكمة، إذ الحكمة إحكام الشيء وإصلاحه عن الخلل (١)، والحكيم هو المتيقظ المتنبه، أو المتقن للحكمة الحافظ لها (٢).

والحكمة من أثمن نتائج التمييز والتفكير، وهي زبدة العلم والاختبار، فالعلم يخطط الأسس النظرية، ثم يكتمل ويصقل بالخبرة العملية المبنية على المران والتجارب، ولهذا كان العلماء الأحداث بسبب قلة تجاربهم أنقص حكمة، وأقل رسوخاً في العلم من كبار العلماء الراسخين في العلم (٣).

وبهذا يعلم أن الداعية إلى اللَّه إذا خالط الناس، وعرف عاداتهم وتقاليدهم، وأخلاقهم الاجتماعية، ومواطن الضعف والقوة، سيركز على ما ينفع الناس، ويضع الأشياء في مواضعها؛ لأنه قد جربهم، فالتجارب تنمي المواهب والقدرات، وتزيد البصير بصراً، والحليم حلماً، وتجعل العاقل حكيماً، وقد تشجع الجبان، وتسخي البخيل،


(١) انظر: فتح الباري، ١٠/ ٥٣٠، وتحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي، ٦/ ١٨٢.
(٢) انظر: فيض القدير شرح الجامع الصغير، ٦/ ٤٢٤.
(٣) انظر: الدعائم الخلقية للقوانين الشرعية للدكتور/ صبحي محمصاني، ص١٤٠.

<<  <   >  >>