وجاء خلفاء الرسول فنسجوا على منواله، واهتدوا بهديه، فهذا أبو بكر الصديق - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يصعد المنبر بعد أن بويع بالخلافة فتكون أول كلمة يقولها توكيدًا لمعنى المساواة، ونفيًا لمعنى الامتياز. قال:«أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ وُلِّيتُ عَلَيْكُمْ وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ، فَإِنْ أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي، وَإِنْ أَسَأْتُ فَقَوِّمُونِي».
وهذا عمر بن الخطاب يولى الخلافة فيكون أشد تمسكًا بهذه المعاني حتى أنه ليرى قتل الخليفة الظالم، خطب يومًا فقال: «لَوَدِدْتُ أَنِّي وَإِيَّاكُمْ فِي سَفِينَةٍ فِي لُجَّةِ البَحْرِ تَذْهَبُ بِنَا شَرْقًا وَغَرْبًا، فَلَنْ يَعْجِزَ المُسْلِمُونَ أَنْ يُوَلُّوا رَجُلاً مِنْهُمْ فَإِنْ اسْتَقَامَ اتَّبَعُوهُ وَإِنْ جَنَفَ قَتَلُوهُ، فَقَالَ طَلْحَةُ:" وَمَا عَلَيْكَ لَوْ قُلْتَ وَإِنْ تَعَوَّجَ عَزَلُوهُ؟ قَالَ: لاَ، القَتْلُ أَنْكَى لِمَنْ بَعْدَهُ "» (١).
وأعطى أبو بكر القود من نفسه، وأقاد للرعية من الولاة، وفعل عمر بن الخطاب مثل ذلك وتشدد فيه، فأعطى القود من نفسه أكثر من مرة، ولما قيل له في ذلك قال:«رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي القَوَدَ مِنْ نَفْسِهِ , وَأَبَا بَكْرٍ يُعْطِي القَوَدَ مِنْ نَفْسِهِ , وَأَنَا أُعْطِي القَوَدَ مِنْ نَفْسِي».
وأخذ عمر الولاة بما أخذ به نفسه، فما ظلم وَالٍ رَعِيَّتَهُ إلا قاد من الوالي للمظلوم وأعلن على رؤوس الأشهاد مبدأه