هذا في موسم الحج، حيث طلب من ولاة الأمصار أن يوافوه في الموسم، فلما اجتمعوا خطبهم وخطب الناس قال:«أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي مَا أُرْسِلُ عُمَّالاً عَلَيْكُمْ لِيَضْرِبُوا أَبْشَارَكُمْ، وَلاَ لِيَأْخُذُوا أَمْوَالَكُمْ، وَإِنَّمَا أُرْسِلُهُمْ إِلَيْكُمْ لِيُعَلِّمُوكُمْ دِينَكُمْ وَسُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، فَمَنْ فُعِلَ بِهِ شَيْءٌ سِوَى ذَلِكَ فَلْيَرْفَعْهُ إِلَيَّ، فَوَالَّذِي نَفْسُ عُمَرَ بِيَدِهِ لأَقُصَّنَّهُ مِنْهُ، فَوَثَبَ عَمْرُو بْنُ العَاصِ، فَقَالَ: " يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أَرَأَيْتَكَ إِنْ كَانَ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ عَلَى رَعِيَّةٍ، فَأَدَّبَ بَعْضَ رَعِيَّتِهِ، أَئِنَّكَ لَتَقُصَّنَّهُ مِنْهُ؟ قَالَ: إِي وَالذِي نَفْسُ عُمَرَ بِيَدِهِ، إِذًا لأَقُصَّنَّهُ مِنْهُ، وَكَيْفَ لاَ أَقُصُّهُ مِنْهُ!، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُصُّ مِنْ نَفْسِهِ»(١).
ولقد جرى العمل، يوم كان المسلمون لا يعرفون لهم قانونًا إلا الشريعة الإسلامية، على أن يتحاكم الخلفاء والملوك والولاة إلى القضاء العادي، وأن يحاكموا أمامه، فهذا علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يفقد درعا في خلافته ويجدها مع يهودي يَدَّعِي ملكيتها، فيرفع الأمر إلى القاضي ليحكم لصالح اليهودي ضد علي أمير المؤمنين وخليفتهم.
وهذا هو المغيرة والي الكوفة يتهم بالزنا، فيحاكم على الجريمة المنسوبة إليه بالطريق العادي، ولا ينقذه من العقوبة إلا أن الدليل لم يكن كافيًا لاثبات التهمة.
ويقص علينا التاريخ أن المأمون اختصم مع رجل بين يدي