للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولما كانت عقوبة الزنا من الحدود، والحدود لا يجوز تأخيرها ولا العفو عنها، فإن قتل الزاني المحصن يعتبر واجبًا لا بد منه إزالة للمنكر وتنفيذًا لحدود الله، فمن يقتل الزاني المحصن يؤدي واجبًا عليه ومن ثم فلا يمكن اعتباره قاتلاً (١).

أما الجرائم التي تمس حقوق الأفراد كالقتل والجرح فيرى أبو حنيفة أن الخليفة يؤخذ بها ويعاقب عليها، لأن حق استيفاء العقوبة ليس له أصلاً وإنما هو للمجني عليهم وأوليائهم، وإذا قام الخليفة بتنفيذ العقوبة فإنما يقوم به نيابة عن الأفراد، فإذا ارتكب الخليفة جريمة من هذا النوع كان للأفراد، أصحاب الحق الأصلي في استيفاء العقوبة، أن يستوفوها من الخليفة مستعينين في ذلك بالقضاء وبالجماعة وإذا استوفى الأفراد العقوبة الواجبة من غير طريق القضاء كأن قتلوا الخليفة اقتصاصًا لقتله شخصًا آخر فلا حرج عليهم لأنهم فعلوا ما هو حقهم.

على أن بعض الحنفيين يرون أن الخليفة إذا ولى قاضيًا للحكم في كل الجرائم كان من حق القاضي أن يأخذ الخليفة بكل جريمة ارتكبها سواء أمست حقًا لله أم حقًا للأفراد (٢).

ويؤخذ على نظرية أبي حنيفة أنها تقوم على أساس ضعيف، لأن الخليفة أو الإمام ليس إلا نائبًا عن الجماعة، ولأن الخطاب


(١) " شرح فتح القدير ": جـ ٤ ص ١٦٠، ١٦١، " البحر الرائق ": جـ ٥ ص ١٨٧، " حاشية الطهطاوي ": جـ ٤ ص ٢٦٠.
(٢) " شرح فتح القدير ": جـ ٤ ص ١٦١.

<<  <   >  >>