ولقد أدى موقف الأقلية من الأغلبية إلى نتيجته الطبيعية، فظهر أولو الأمر وأولو الرأي في البلاد الديموقراطية بمظهر العاجز الذي لا يحسن التصرف، وفقد الأفراد ثقتهم في الزعماء والأحزاب، وأصبحوا يتشككون في قدرتهم على حكم الشعب وإدارة أموره، وحق لهم أن يفقدوا ثقتهم فيمن تصدوا لقيادتهم فلم يسمعوا عنهم في يوم ما أنهم ارتأوا رأيًا فكان موضع التقدير، أو جاءوا بفكرة لم تكن موضع السخرية أو قاموا بعمل لم يكن موضع النقد والتشكيك.
وإذا كان فشل البلاد الديموقراطية في تطبيق مبدأ الشورى قد أدى إلى انعدام الثقة فيمن يتصدون لقيادة الشعب، إلا أن تفشي هذا الفشل في كل البلاد الديموقراطية جعل الناس يعتقدون أن مبدأ الشورى نفسه غير صالح للتطبيق، فانتقل الشك وعدم الثقة من القائمين على تطبيق المبدأ إلى ذات المبدأ، واعتنق كثير من البلاد الديموقراطية مبدأ الديكتاتورية وهم يظنون أنهم سيجدون فيه علاجًا لحالة الشك وعدم الثقة التي تعيش فيها الشعوب.
ولكن التجارب الحديثة أثبتت أن الديكتاتورية تنتهي بفشل أفظع من فشل الديموقراطية، لأن من طبيعتها أن تكم الأفواه وتعطل حرية الرأي وحرية الاختيار، كما أنها تؤدي إلى انعدام الثقة بين الشعوب والحكام وتوريط الشعوب والحكومات فيما لا تريده أو فيما لا يعود عليها إلا بالضرر.