والخلط بين البدعة اللغوية والشرعية قد يؤدي إلى ضرر ولبس، فيظن أن ما ليس ببدعة بدعة والعكس.
ولا يتميز حكم الشرع مع التباس التسميات، ولهذا فإن السلف وهم يفتون في المسائل الحادثة بإيجاب أو استحباب أو إباحة، ما كانوا يقولون هذه بدعة، ولكنها واجبة أو مستحبة أو مباحة، لاستقرار مصطلح البدعة الشرعية عندهم، وثبات حكمها المتراوح بين التحريم والكراهية.
وكذلك في فتواهم في الأمور الحادثة، مما يعد معصية شرعية تكون بالتحريم أو الكراهية، مع تفريقهم بين ما هو معصية وما هو بدعة.
٤ - يظهر من خلال أمثلة العز بن عبد السلام أنه أدخ المصالح المرسلة في مسمى البدع، بناء على أنها لم تدخل أعيانها تحت النصوص المعينة، وإن كانت تلائم قواعد الشرع.
فلكونها داخلة تحت قواعد الشرع، حكم عليها بالوجوب أو الندب أو الإباحة، ولكونها حادثة غير معهودة في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم سماها بدعاً، فيكون بذلك من القائلين بالمصالح المرسلة، وهي ليست بدعاً إلا في اللفظ.
فيكون الاحتجاج بقوله وتقسيمه على حسن البدع من الناحية الشرعية احتجاجاً في غير محل النزاع.
ويدل لذلك الأمثلة التي ضربها لتلك الأقسام، فقسم الواجب في قول ابن عبد السلام يدخل في باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وقد صرح هو بذلك، ولقد علمت أن هذا الباب يؤدي إلى حفظ ما هو ضروري شرعاَ، وأنه والبدع لا يستويان، وقد مثل له بالاشتغال بالنحو، الذي يفهم به كلام الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم –، فهل الاشتغال بالنحو بدعة شرعية؟ أم هو من قبيل ما لا يتم الواجب إلا به، على أنه يمكن أن يقال في النحو: إنه بدعة من حيث اللغة، ولكن الأحكام الشرعية إنما تتعلق بالتعريفات الشرعية، لا التعريفات اللغوية.
وأما قسم المندوب فليس من البدع بحال، فبناء القناطر والمدارس وسائل لدفع ضرر أو جلب منفعة عامة للأمة، فالربط تدفع كيد الأعداء وترهبهم، والقناطر تسهل حركة الناس وتنقلاتهم وتحفظ أرواحهم، والمدارس تحقق فريضة طلب العلم، أما صلاة التراويح فسنة فعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وسوف يأتي الكلام عليها قريبا بإذن الله.