للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجواب عن كلامه من وجوه (١):

أولا - أنه لا يجوز أن يعارض كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم – بكلام أحد من الناس كائناً من كان، وقد سبق بيان وجه العموم في ذم البدع، ولا يصلح كلام العز ولا غيره من العلماء للتخصيص.

ثانيا - كما أن هذا التقسيم للبدع لا يحسن لأمور:

١ - قال الشاطبي في "الاعتصام" (١/ ٢٤٦): (إن هذا التقسيم أمر مخترع، لا يدل عليه دليلْ شرعي، بل هو في نفسه متدافع، لأن من حقيقة البدعة أن لا يدل عليها دليل شرعي، لا من نصوص الشرع، ولا من قواعده، إذ لو كان هنالك ما يدل من الشرع على وجوب، أو ندب، أو إباحة، لما كان ثمَّ بدعة، ولكان العمل داخلاً في عموم الأعمال المأمور بها، أو المخيَّر فيها، فالجمع بين كون تلك الأشياء بدعاً، وبين كون الأدلة تدل على وجوبها، أو ندبها، أو إباحتها، جمع بين متنافيين.

أما المكروه (٢) منها والمحرم، فمسلم من جهة كونها بدعا لا من جهة أخرى، إذ لو دل دليل على منع أمر أو كراهته، لم يثبت بذلك كونه بدعة، لإمكان أن يكون معصية، كالقتل والسرقة وشرب الخمر ونحوها، فلا بدعة يتصور فيها ذلك التقسيم ألبتة، إلا الكراهية والتحريم).

٢ - الإثم قدر مشترك بين البدع كلها، فلا يجوز أن نحكم على بدعة بأنها أقل إثماً من غيرها، والتفريق في الوصف قائم على الرأي المحض وهو بدعة في نفسه، ويعمل على استصغار البدع.

٣ - من خلال أمثلة العز بن عبد السلام ـ رحمه الله ـ لما أسماه بالبدع الواجبة والمندوبة والمباحة، نجد أن أكثرها مشروع أو مباح من قبل الشرع، فلا يطلق عليه بدعة من ناحية شرعية إذ البدعة الشرعية كلها مذمومة لقوله صلى الله عليه وسلم: كل بدعة ضلالة " أما ما قام دليل على وجوبه، أو استحبابه، أو إباحته فليس من هذا الباب، ولا يصح إدخاله في مسمى البدعة، إلا من ناحية لفظية وهذه الناحية لا خلاف فيها، لأن كل جديد بدعة من حيث اللغة، ولكن محل الكلام هنا هو في البدعة الشرعية التي حذر منها الشارع ونهى عنها، وذمها السلف.


(١) انظر الاعتصام (١/ ٢٤٦)، اللمع في الرد على محسني البدع (ص/٤١)، حقيقة البدعة (١/ ٤٣٨)، البدعة وأثرها السيئ في الأمة (ص/١٠٠)، والبراهين على ألا بدعة حسنة في الدين لأبي معاذ السلفي (ص/١٥).
(٢) أي كراهة تحريمية، وقد سبق بيان خروج المكروه تنزيها عن البدع.

<<  <   >  >>