للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وخلاصة الأمر أنه لا يجوز لأحد أن يأتي بعبادة لم يفعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه كما قال حذيفة: (كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا تعبدوها) ومعنى كلام حذيفة - رضي الله عنه - أي لا تتقربوا بها إلى الله عز وجل ذلك لأنها ليست عبادة أنتم تظنونها عبادة ولكن الدليل على أنها ليست عبادة لأنها لو كانت

عبادة لجاء بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (١).] (٢)

وقال محمد أحمد العدوي: [اعلم أن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - كما تكون بالفعل تكون بالترك ... وكما لا نتقرب إلى الله تعالى بترك ما فعل لا نتقرب إليه بفعل ما ترك، فالفاعل لما ترك كالتارك لما فعل، ولا فرق بينهما ... وقال صاحب كتاب: (غاية الأماني في الرد على النبهاني) ما نصه: قال صاحب (مجالس الأبرار) أي منلا أحمد رومي الحنفي ما ملخصه: لأن عدم وقوع الفعل في الصدر الأول إما لعدم الحاجة إليه، أو لوجود مانع، أو لعدم تنبه، أو لتكاسل، أو لكراهة، أو لعدم مشروعية، والأولأن منتفيان في العبادات البدنية المحضة، لأن الحاجة في التقرب إلى الله تعالى لا تنقطع، وبعد ظهور الإسلام لم يكن منها مانع، ولا يظن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - عدم التنبه والتكاسل، فذاك أسوأ الظن المؤدي إلى الكفر، فلم يبق إلا كونها سيئة غير مشروعة ... وقال الأستاذ الشيخ بخيت الحنفي مفتي الديار المصرية في كتابه (أحسن الكلام) ما نصه: وأما رفع صوت المشيعين للجنازة بنحو قرآن أو ذكر، أو قصيدة بردة، أو يمانية فهو مكروه، لاسيما على الوجه الذي يفعل في هذا الزمان، ولم يكن شئ منه موجوداً في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا في زمن الصحابة والتابعين وغيرهم من السلف الصالح، بل هو مما تركه النبي - صلى الله عليه وسلم - مع قيام المقتضى لفعله فيكون تركه سنة، وفعله بدعة مذمومة شرعاً كما هو الحكم في كل ما تركه النبي - صلى الله عليه وسلم - مع قيام المقتضى لفعله. أهـ ... ثم قال العدوي: قاعدة تقسيم السنة إلى سنة فعلية، وسنة تركية هي الأساس الأول للكلام على السنة والبدعة، والغلط الحاصل فيها سببه الغفلة عن هذه القاعدة، وقد أريناك من نصوص علماء المذاهب الأربعة أن ما تركه النبي - صلى الله عليه وسلم - مع قيام المقتضي على فعله فتركه هو السنة، وفعله بدعة مذمومة ... ] (٣).

(وأما قول الشاطبي: [وفي الحد أيضا معنى آخر مما ينظر فيه. وهو أن البدعة من حيث قيل فيها: إنها طريقة في الدين مخترعة –إلى آخره - يدخل في عموم لفظها البدعة التَّرْكيَّة، كما يدخل فيه البدعة غير التركية، فقد يقع الابتداع بنفس الترك تحريماً للمتروك أو غير تحريم، فإن الفعل -مثلاً- قد يكون حلالاً بالشرع فيحرمه الإنسان على نفسه، أو يقصد تركه قصداً.

فهذا الترك إما أن يكون لأمر يعتبر مثله شرعاً أو لا، فإن كان لأمر يعتبر فلا حرج فيه، إذ معناه أنه ترك ما يجوز تركه أو ما يطلب تركه، كالذي يحرم نفسه الطعام الفلاني من جهة أنه يضره في جسمه أو عقله أو دينه وما أشبه ذلك، فلا مانع هنا من الترك، بل إن قلنا بطلب التداوي للمريض فإن الترك هنا مطلوب، وإن قلنا بإباحة التداوي، فالترك مباح ...

وكذلك إذا ترك ما لا بأس به حذراً مما به البأس فذلك من أوصاف المتقين (٤)، وكتارك المتشابه، حذراً من الوقوع في الحرام واستبراءً للدين والعرض.

وإن كان الترك لغير ذلك، فإما أن يكون تديناً أو لا، فإن لم يكن تديناً فالتارك عابث بتحريمه الفعل أو بعزيمته على الترك، ولا يسمى هذا الترك بدعة إذ لا يدخل تحت لفظ الحد إلا على الطريقة الثانية القائلة: إن البدعة تدخل في العادات. وأما على الطريقة الأولى فلا يدخل. لكن هذا التارك يصير عاصياً بتركه أو باعتقاده التحريم فيما أحل الله.

وأما إن كان الترك تديناً فهو الابتداع في الدين على كلتا الطريقتين، إذ قد فرضنا الفعل جائزًا شرعًا فصار الترك المقصود معارضة للشارع في شرع


(١) انظر فتاوى الألباني ص ١٨٨.
(٢) البدعة لحسام عفانة: ص ٦٢: ٧٣.
(٣) انظر أصول في البدع: ص/ ٤٩: ٥٩.
(٤) قال مصطفى بن محمد في تيسير العلام: هذا صحيح لأن على المسلم أن يستبرأ لدينه، ويسد الذرائع الموصلة إلى المحرم، أما حديث " لا يبلغ العبد أن يكون في المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذراً لما به بأس" فهو ضعيف رواه الترمذي (٢٤٥١)، وابن ماجة (٤٢١٥)، والبيهقي في
الشعب، والطبراني في الكبير من حديث عطية السعدي، وضعفه الألباني في السنن، والجامع/٦٣٢٠.

<<  <   >  >>