للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التحليل وفي مثله نزل قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (١) فنهى أولاً عن تحريم الحلال. ثم جاءت الآية تشعر بأن ذلك اعتداءٌ لا يحبه الله. وسيأتي للآية تقرير إن شاء الله.

لأن بعض الصحابة هَمَّ أن يحرم على نفسه النوم بالليل، وآخر الأكل بالنهار، وآخر إتيان النساء، وبعضهم هَمَّ بالاختصاء، مبالغة في ترك شأن النساء، وفي أمثال ذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من رغب عن سنتي فليس منى) (٢).

فإذاً كل من منع نفسه من تناول ما أحل الله من غير عذر شرعي فهو خارج عن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، والعامل بغير السنة تدينا، هو المبتدع بعينه.

فإن قيل: فتارك المطلوبات الشرعية ندباً أو وجوباً، هل يسمى مبتدعاً أم لا؟

فالجواب: أن التارك للمطلوبات على ضربين:

أحدهما: أن يتركها لغير التدين إما كسلاً أو تضييعاً أو ما أشبه ذلك من الدواعي النفسية. فهذا الضرب راجع إلى المخالفة للأمر، فإن كان في واجب فمعصية وإن كان في ندب فليس بمعصية، إذا كان الترك جزئياً، وإن كان كلياً فمعصية حسبما تبين في الأصول.

والثاني: أن يتركها تديناً فهذا الضرب من قبيل البدع حيث تدين بضد ما شرع الله، ومثاله أهل الإباحة القائلين بإسقاط التكاليف إذا بلغ السالك عندهم المبلغ الذي حدوه.

فإذًا قوله في الحد: "طريقة مخترعة تضاهى الشرعية" يشمل البدع التركية، كما يشمل غيرها، لأن الطريقة الشرعية أيضاً تنقسم إلى ترك وغيره.

وسواء علينا قلنا: إن الترك فعل، أم قلنا: إنه نفي الفعل، على الطريقتين المذكورتين في أصول الفقه ... ] (٣).


(١) المائدة: ٨٧.
(٢) متفق عليه من حديث أنس مطولاً به.
(٣) الاعتصام (١/ ٤٢: ٤٥).

<<  <   >  >>