لنقل حتى روى عن عمر بن عبد العزيز أنه لما استخلف قاموا له في المجلس فقال إن تقوموا نقم وإن تقعدوا نقعد (١) وإنما يقوم الناس لرب العالمين فقيامه صلى الله عليه وسلم لجعفر ابن عمه وقوله: (قوموا لسيدكم) إن حملناه على ظاهره فالأولى خلافه لما تقدم وأن نظرنا فيه وجدناه محتملا أن يكون القيام على وجه الاحترام والتعظيم أو على وجه آخر من المبادرة إلى اللقاء لشوق للمقوم له أو ليفسح له في المجلس حتى يجد موضعا للقعود أو للإعانة على معنى من المعاني أو لغير ذلك مما يحتمل وإذا احتمل الموضع طلبنا بالوقوف مع العمل المستمر لإمكان أن يكون هذا العمل معارض له فنحن في إتباع العمل المستمر على بينة وبراءة ذمة باتفاق وإن رجعنا إلى هذا المحتمل لم نجد فيه مع المعارض الأقوى وجها للتمسك إلا من باب التمسك بمجرد الظاهر وذلك لا يقوى قوة معارضه .... ومنها أن يكون هذا القليل خاصاً بزمانه أو بصاحبه الذي عمل به أو خاصاً بحال من الأحوال فلا يكون فيه حجة على العمل به في غير ما تقيد به كما قالوا في نهيه عليه الصلاة والسلام عن ادخار لحوم الأضاحي بعد ثلاث بناء على أن إذنه بعد ذلك لم يكن نسخا وهو قوله:(إنما نهيتكم لأجل الدافة) ومنها أن يكون مما فعل فلتة فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم مع علمه به ثم بعد ذلك لا يفعله ذلك الصحابي ولا غيره ولا يشرعه النبي صلى الله عليه وسلم ولا يأذن فيه ابتداء لأحد فلا يجب أن يكون تقريره عليه إذنا له ولغيره كما في قصة الرجل الذي بعثه النبي عليه الصلاة والسلام في أمر فعمل فيه ثم رأى أن قد خان الله ورسوله فربط نفسه بسارية من سواري المسجد وحلف أن لا يحله إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام: (أما إنه لو جاءني لاستغفرت له) وتركه كذلك حتى حكم الله فيه فهذا وأمثاله لا يقتضي أصل المشروعية ابتداء ولا دواما أما الابتداء فلم يكن فعله ذلك بإذن رسول صلى الله عليه وسلم وأما دواما فإنه إنما تركه حتى يحكم الله فيه وهذا خاص بزمانه إذ لا وصول إلى ذلك إلا بالوحي وقد انقطع بعده فلا يصح الإبقاء على ذلك لغيره حتى ينظر الحكم فيه وأيضا فإنه لم يؤثر عن ذلك
(١) قال القاضي عياض في "المعلم": (فقد بين أن القيام الذى كره إنما هو إذا كانوا قيامأ على رأس الجالس).