للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا حكم إلا لله، وما أشبه ذلك من البدع التي لا تختص فرعا من فروع الشريعة دون فرع بل يجدها تنتظم ما لا ينحصر من الفروع الجزئية، أو يكون الخلل الواقع جزئيا إنما يأتي في بعض الفروع دون بعض كبدعة التثويب بالصلاة الذي قال فيه مالك: التثوب ضلال وبدعة الأذان والإقامة في العيدين وبدعة الاعتماد في الصلاة على إحدى الرجلين وما أشبه ذلك، فهذا القسم لا تتعدى فيه البدعة محلها ولا تنتظم تحتها غيرها حتى تكون أصلا لها.

فالقسم الأول إذا عد من الكبائر اتضح مغزاه وأمكن أن يكون منحصرا داخلا تحت عموم الثنتين والسبعين فرقة ويكون الوعيد الآتي في الكتاب والسنة مخصوصا به لا عاما فيه وفي غيره ويكون ما عدا ذلك من قبيل اللمم المرجو فيه العفو الذي لا ينحصر إلى ذلك العدد (١)، فلا قطع على أن جميعها من واحد وقد ظهر وجه انقسامها.

والثالث أن المعاصي قد ثبت انقسامها إلى الصغائر والكبائر ولا شك أن البدع من جملة المعاصي على مقتضى الأدلة المتقدمة ونوع من أنواعها فاقتضى إطلاق التقسيم أن البدع تنقسم أيضا ولا يخصص وجودها بتعميم الدخول في الكبائر لأن ذلك تخصيص من غير مخصص ولو كان ذلك معتبرا لاستثنى من تقدم من العلماء القائلين بالتقسيم قسم البدع فكانوا ينصون على أن المعاصي ما عدا البدع تنقسم إلى الصغائر والكبائر إلا أنهم لم يلتفتوا إلى الاستثناء وأطلقوا القول بالانقسام فظهر أنه شامل لجميع ... أنواعها (٢).

فإن قيل إن ذلك التفاوت لا دليل فيه على إثبات الصغيرة مطلقا وإنما يدل ذلك على أنها تتفاضل فمنها ثقيل وأثقل ومنها خفيف وأخف والخفة هل تنتهي إلى


(١) ويعكر عليه في هذا التقسيم من حصر الكبائر في البدع الكلية، والصغائر في الجزئية أن بدعة القول بخلق القرآن، على حسب تقسيمه من البدع الجزئية، فهل هي عنده من الصغائر مع تصريح السلف بأن من قال بأن القرآن مخلوق فقد كفر.
(٢) سبق بيان الفرق بينهما، وكما هو معلوم فإن الحكم على الأعم لا يقتضي الحكم على الأخص،؛ فيتوجه على هذا الإلحاق ما يسمى بقادح المنع، والمقصود منع وجود حكم الأصل في الفرع، وسيأتي من كلام الشاطبي نفسه ما يؤيد هذا الوجه.

<<  <   >  >>