حد تعد البدعة فيه من قبيل اللمم، هذا فيه نظر، وقد ظهر معنى الكبيرة والصغيرة في المعاصي غير البدع.
وأما في البدع فثبت لها أمران أحدهما أنها مضادة للشارع ومراغمة له حيث نصب المبتدع نفسه نصب المستدرك على الشريعة لا نصب المكتفى بما حد له. والثاني أن كل بدعة وإن قلت تشريع زائد أو ناقص أو تغيير للأصل الصحيح وكل ذلك قد يكون على الانفراد وقد يكون ملحقا بما هو مشروع فيكون قادحا في المشروع ولو فعل أحد مثل هذا في نفس الشريعة عامدا لكفر إذ الزيادة والنقصان فيها أو التغيير قل أو كثر كفر فلا فرق بين ما قل منه وما كثر، فمن فعل مثل ذلك بتأويل فاسد أو برأي غالط رآه أو ألحقه بالمشروع إذا لم تكفره لم يكن في حكمه فرق بين ما قل منه وما كثر لأن الجميع جناية لا تحملها الشريعة بقليل ولا بكثير ويعضد هذا النظر عموم الأدلة في ذم البدع من غير استثناء في الفرق بين بدعة جزئية وبدعة كلية.
وقد حصل الجواب عن السؤال الأول والثاني. وأما الثالث فلا حجة فيه لأن قوله عليه السلام كل بدعة ضلالة وما تقدم من كلام السلف يدل على عموم الذم فيها، وظهر أنها مع المعاصي لا تنقسم ذلك الانقسام بل إنما ينقسم ما سواها من المعاصي.
وأقرب منها عبارة تناسب هذا التقرير أن يقال كل بدعة كبيرة عظيمة بالإضافة إلى مجاوزة حدود الله بالتشريع إلا أنها وإن عظمت لما ذكرناه فإذا نسب بعضها إلى بعض تفاوتت رتبتها فيكون منها صغار وكبار إما باعتبار أن بعضها أشد عقابا من بعض فالأشد عقابا أكبر مما دونه وإما باعتبار فوت المطلوب في المفسدة فكما انقسمت الطاعة باتباع السنة إلى الفاضل والأفضل لانقسام مصالحها إلى الكامل والأكمل انقسمت البدع لانقسام مفاسدها إلى الرذل والأرذل والصغر والكبر من باب النسب والإضافات فقد يكون الشيء كبيرا في نفسه لكنه صغير